جدل دائر حول أهل السنة والجماعة، خلاف بين مصر والسعودية وهجوم على شيخ الأزهر لأنه لم يذكر أن السلفية تعد من اهل السنة، هكذا أخذ مؤتمر الشيشان حول "من هم أهل السنة والجماعة؟" حيزا من اهتمام العالم الإسلامي خلال الفترة الماضية، بعدما اعتبر المؤتمر أن أهل السنة والجماعة هم الماتريدية والأشاعرة.إذا ما هي الماتريدية والأشاعرة؟
الماتريدية:
1/ المَاتُريدِيَّةُ فرقة كلامية تُنسب إلى أبي منصور الماتريدي، هو أبو منصور محمد بن محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي، كان يلقب بإمام الهدى وإمام المتكلمين، ورئيس أهل السنة والإمام الزاهد، الماتريدي نسبة إلى ماتريد ويقال لها ماتريت، وهي محلة قرب سمرقند، عاصر الماتريدي أبو الحسن الأشعري، وعاش الملحمة بين أهل الحديث وأهل الكلام من المعتزلة وغيرهم، فكانت له جولاته ضد المعتزلة وغيرهم، ولكن بمنهاج غير منهاج الأشعري، وإن التقيا في كثير من النتائج غير أن المصادر التاريخية لا تثبت لهما لقاء أو مراسلات بينهما، أو إطلاع على كتب بعضها.
2/ ظهرت الماتريدية في أوائل القرن الرابع الهجري في سمرقند من بلاد ما وراء النهر، دعت إلى مذهب أهل الحديث والسنة بتعديل يجمع بين الحديث والبرهان.
3/ قامت الماتريدية على استخدام البراهين والدلائل العقلية والكلامية في محاجَّة خصومها من المعتزلة والجهمية والملاحدة وغيرهم لإثبات حقائق الدين والعقيدة الإسلامية.
4/ نشأت الماتريدية في ظل الصراع الكلامي الذي نشأ في بغداد عاصمة الخلافة العباسية وفي ظل تشعب الآراء والمذاهب فيها، واحتدام الجدل بين رؤساء المذاهب الذي امتد إلى بقية بقاع العالم الإسلامي ومنها سمرقند، فأدى إلى ولادة الطائفة الماتريدية، بالإضافة لانتشار العقائد والمذاهب المعتمدة على المناهج العقلية والفكرية آنذاك، حيث ساعد على نشوء فكر الماتريدية الداعي للجمع بين الشرع والعقل وتوسيع دائرة التفكير والاستنتاج.
5/اعتمدت الماتريدية في أسسها ونشأتها على المذهب الحنفي فقهًا وكلامًا، حتى كانت آراء أبو حنيفة هي الأصل الذي تفرعت منه آراء الماتريدي. طرحت الماتريدية أفكارًا ومعتقدات ميزتها عن غيرها من الفرق الاسلامية كان من أبرزها: أنهم قالوا أن مصدر التلقي في الإلهيات والنبوات هو العقل، وأن المعرفة واجبة بالعقل قبل ورود السمع، وفسروا الإيمان بأنه عبارة عن الإقرار والتصديق، واعتبروا الذكورة شرطًا في النبوة، وقالوا بإمكان رؤية العبد لربه إلا أنهم جهلوا كيفيتها، وعدُّوا الحُسن والقبح من اللوازم الذاتية للأشياء، واعتقدوا بحدوث القرآن، وقالوا بعدم جواز التكليف بما لا يطاق.
......... مرت الماتريدية بأربعة مراحل رئيسية:6/ مرحلة التأسيس، والتي اتسمت بشدة المناظرات مع المعتزلة، رجل هذه المرحلة أبو منصور الماتريدي، وشهدت هذه المرحلة ظهور أبو الحسن الأشعري مؤسس فكر الأشاعرة.
7/ مرحلة التكوين، وهي مرحلة تلامذة الماتريدي ومن تأثر به من بعده، وفيه أصبحت فرقة كلامية. 8/ مرحلة التأليف والتأصيل، وامتازت بكثرة التأليف وجمع الأدلة للعقيدة الماتريدية.
9/ مرحلة التوسع والانتشار ، تعد من أهم مراحل الماتريدية، حيث بلغت أوج توسعها وانتشارها وذلك بسبب مناصرة سلاطين الدولة العثمانية، فكان سلطان الماتريدية يتسع حسب اتساع سلطان الدولة العثمانية، فانتشرت في شرق الأرض وغربها، وبلاد العرب والعجم والهند والترك وفارس والروم.
10/ الماتريدي له عدة مؤلفات منها: تأويلات أهل السنة، وهو كتاب في التفسير، وكتاب التوحيد: والذي يعد من أهم مؤلفاته الكلامية، وذلك لأنه قد قرر فيه نظرياته الكلامية، وبين فيه معتقده في أهم المسائل الاعتقادية، فلذلك صار كتاب التوحيد المرجع الأساسي في معرفة عقيدة الماتريدية، وكل من جاء بعد الماتريدي من الماتريدية اعتمدوا عليه، كما أن الكتاب يعد من أهم المراجع الكلامية التي ذكر فيها آراء مختلف الفرق الإسلامية وخاصة المعتزلة، وكذلك آراء الفرق غير الإسلامية.
11/ قسّم الماتريدية أصول الدين حسب التلقي إلى:
ـ الإلهيات [العقليات] : وهي ما يستقل العقل بإثباتها والنقل تابع له ، وتشمل أبواب التوحيد والصفات.ـ الشرعيات [السمعيات] : وهي الأمور التي يجزم العقل بإمكانها ، لكن لا طريق للعقل إلى الحكم بثبوتها ، أو امتناعها ؛ مثل: النبوات، وعذاب القبر، وأمور الآخرة ، علما بأن بعضهم جعل النبوات من قبيل العقليات.
12/ مفهوم التوحيد عند الماتريدية هو: إثبات أن الله تعالى واحد في ذاته، لا قسيم له ، ولا جزء له، واحد في صفاته ، لا شبيه له ، واحد في أفعاله ، لا يشاركه أحد في إيجاد المصنوعات ، ولذلك بذلوا غاية جهدهم في إثبات هذا النوع من التوحيد ، باعتبار أن الإله عندهم هو: القادر على الاختراع ، مستخدمين في ذلك الأدلة والمقاييس العقلية والفلسفية التي أحدثها المعتزلة والجهمية ، مثل دليل حدوث الجواهر والأعراض ، وهي أدلة طعن فيها السلف والأئمة وأتباعهم ، وبينوا أن الطرق التي دل عليها القرآن أصح .
- قالوا بإثبات ثمان صفاتٍ لله تعالى فقط ، على خلاف بينهم في بعض التفصيل ، وهي: الحياة، القدرة ، العلم، الإرادة ، السمع ، البصر ، الكلام ، التكوين .
أما ما عدا ذلك من الصفات التي دل عليها الكتاب والسنة [الصفات الخبرية] من صفات ذاتية، أو صفات فعلية ، فإنها لا تدخل في نطاق العقل ، ولذلك قالوا بنفيها جميعاً ، وتأويل النصوص الشرعية الدالة عليها.
13/ يرى الماتريدي أن إثبات صدق الرسل والأنبياء يقوم على النظر في صفات الأنبياء الخَلقية والخُلقية قبل الرسالة وبعدها، وعلى تأييد الله لهم بالمعجزات والآيات الدالة على صدقهم. جمهور الماتريدية يرون أنه لا دليل على صدق النبي غير المعجزة، حيث أنها وحدها هي التي تفيد العلم اليقيني بثبوت نبوة النبي أو الرسل.
14/ تسمي الماتريدية المسائل المتعلقة باليوم الآخر بالسمعيات، وذلك بناءً على أن هذه المسائل لا تعلم إلا بالسمع، أي أن مصدرهم في التلقي فيها هو السمع فقط، لذلك وافقوا أهل السنة والجماعة في هذا الباب. قالوا بإثبات عذاب القبر ونعيمه، قال أبو المعين النسفي: عذاب القبر للكافرين ولبعض العصاة من المؤمنين، والإنعام لأهل الطاعة في القبر، وسؤال منكر ونكير ثابت. كما قالت الماتريدية بإثبات أشراط الساعة وبثبوت البعث والنشور، وثبوت الحوض والميزان والصراط، وثبوت الشفاعة، وثبوت الجنة والنار وأنهما مخلوقان. أما رؤية الله فقد أثبتوها لدلالة السمع عليها وبجوازها في العقل، إلا أنهم قيدوها بنفي الجهة والمقابلة، وذلك لأنهم ينفون عن الله علة الذات.
15/ تؤمن الماتريدية بمراتب القدر الأربع، والتي لا يكون العبد مؤمن حتى يؤمن بها وهي: علم الله القديم وأنه علم أعمال العباد قبل أن يعملوها. كتابة ذلك في اللوح المحفوظ. مشيئة الله العامة وقدرته الشاملة. إيجاد الله لكل المخلوقات وأنه الخالق وكل ما سواه مخلوق. قال الماتريدي: القضاء في حقيقته الحكم بالشيء والقطع على ما يليق به، وأحق أن يقطع عليه، فرجع مرة إلى خلق الأشياء، لأنه تحقيق كونها على ما هي عليه، وعلى الأولى بكل شيء أن يكون على ما خلق، إذ الذي خلق الخلق هو العليم الحكيم، والحكمة عي إصابة الحقيقة لكل شيء ووضعه موضعه.
16/ ذهب جمهور المحققين من الماتريدية إلى أن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط، وذهب بعضهم إلى أنه التصديق بالقلب والإقرار باللسان، قال أبو المعين النسفي: الإيمان في اللغة عبارة عن التصديق فكل من صدق غيره فيما يخبره يسمى في اللغة مؤمنا به ومؤمنا له.
ويظل الخلاف بين السلفية والأشاعرة، ومن ضمنهم الماتريدية، في أن كل فريق منهم لا يعتبر الآخر من اهل السنة والجماعة، حيث ترى السلفية أنها تمثل أهل السنة والجماعة، قال ابن تيمية: فلفظ السنة يراد به من أثبت الخلفاء الثلاثة، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلاّ الرافضة... والمراد بالخاص ما يكون في مقابل أهل البدع والمقالات المحدثة كالشيعة والخوارج والجهمية والمعتزلة والمرجئة والأشاعرة والماتريدية وغيرهم، فهؤلاء لا يدخلون في مفهوم أهل السنة بالإطلاق الخاص، ويرون أن الماتريدية وإن كانوا يسمون أنفسهم أهل السنة، إلا أنهم لم يلتزموا بالمنهج الذي كان عليه الرسول "صلى الله عليه وسلم".