تحتفل السودان غدا الأربعاء بانتهاء أجل السلطة الانتقالية في دارفور، وباستكمال إنفاذ وثيقة الدوحة للسلام الموقعة في العام 2011 بين الحكومة، وحركة التحرير والعدالة، قبل أن تنقسم إلى حركتي تحرير السودان والعدل والمساواة، وذلك في احتفال كبير بمدينة الفاشرعاصمة ولاية شمال دارفور، يحضره الرئيس عمر البشير ورئيسي تشاد وأفريقيا الوسطى وأمير قطر.
ويرى مراقبون أن هذا يأتي تتويجا للجهود التي بذلت على مدى 14 عاما سواء من الداخل أو بمساعدة الدول الصديقة للسودان، مطالبين بالاستفادة من تجربة الحرب، والتمسك بمكتسبات السلام لتحقيق الاستقرار الدائم، ودفع عجلة التنمية بالإقليم.
ونشب نزاع مسلح في إقليم دار فور غربي السودان منذ بداية فبراير 2003 على خلفيات عرقية، وقبلية رغم أن الفروق العرقية، والقبلية بين قبائل دارفور غير واضحة المعالم، وجميع القبائل تدين بالإسلام.
ويشكل إقليم دارفور خمس مساحة السودان، ويبلغ نحو٥٥٠ ألف كيلومتر مربع، ويحده من الشمال ليبيا، ومن الغرب تشاد ومن الجنوب الغربي أفريقيا الوسطى، وأما الحدود الداخلية من الشرق فيتجاور إقليم دارفور مع أقاليم سودانية مثل بحر الغزال وكردفان والشمالية، ويقطن الإقليم نحو 6 ملايين نسمة.
ويعود تاريخ هذا النزاع إلى العام 1989، حين شب صراع عنيف بين الفور، والعرب، وتمت المصالحة بينهما في مؤتمر عقد في الفاشر عاصمة الإقليم، ثم بعدها بعشر سنوات نشب نزاع ثان بين العرب، والمساليت غرب دارفور منذ العام 1998 إلى 2001، وتم احتواؤه باتفاقية سلام بين الطرفين.
الطرف الأول في الصراع يتألف من القوات الحكومية السودانية، أما الطرف الآخر فهو خليط من المجموعات المسلحة، أهمها حركتي تحرير السودان، والعدل، والمساواة.
ويرى مراقبون أن قلة الأمطار، والتصحر، وتزايد السكان كانت من الأسباب الرئيسية لنشوب هذه الأزمة، وفي 6 فبراير 2009 ذكرت منظمة الأمم المتحدة أن القتال المستمر بين القوات الحكومية السودانية، والمتمردين في جنوب دارفور في أول أسبوع من فبراير 2009 تسبب في تشريد ما يزيد على 30 ألف شخص خرجوا من بيوتهم، خصوصا من منطقتي شعيرية ومهاجرية.
وبعد مفاوضات ماراثونية امتدت لما يقرب من الثلاثين شهرا بين الأطراف ذات الصلة بأزمة دارفور، تم التوقيع على وثيقة اتفاقية الدوحة لسلام دارفور يوم الرابع عشر من يوليو2011 بين الحكومة السودانية، وحركة التحرير والعدالة بحضور الرئيس البشير، وعدد من زعماء الدول المجاورة والصديقة للسودان، وقد قوبلت الاتفاقية بترحيب دولي وإقليمي.
واشتملت الوثيقة على بنود كثيرة، مثل العدالة والمصالحات وإنشاء صندوق يلزم بالتعويضات تمتد فترته لعشر سنوات، كما احتوت نصا بأن يكون نائب رئيس الجمهورية من دارفور، وكذلك إقامة محاكم خاصة بمشاركة مراقبين دوليين مع آلية إقليمية، ودولية لمراقبة تنفيذ الاتفاقية.
ويقول والي شمال دارفور المهندس عبد الواحد يوسف" إن انتهاء أجل السلطة الانتقالية في دارفور لا يعني انتهاء وثيقة الدوحة للسلام، وإن هناك برنامجا لاستمرار الوثيقة حتى تتحقق كامل أهدافها، منوها بأن السلطة الانتقالية لن تكون قائمة، ولكن تستمر بعض المفوضيات التابعة لها لتضطلع بدورها في إنفاذ بعض بنود اتفاقية الدوحة، وستكون تابعة مباشرة لرئاسة الجمهورية".
وأوضح أن حركة التحرير، والعدالة، في مفاوضات توقيع الوثيقة، كانت تتبنى نظام الإقليم الواحد، واتفق الأطراف على أن هذه القضية معني بها المواطن في دارفور فتم عمل استفتاء شعبي، واختار أبناء دارفور نظام الولايات القائم حاليا، والذي يقسم الإقليم إلى خمس ولايات ولذلك فلم يعد لوجود السلطة الانتقالية أي مبرر.
وأكد الوالي أن وثيقة الدوحة جعلت دارفور تشهد حاليا أمنا واستقرارا، ولا توجد بها أية مشكلات قبلية، وأن أهم أولويات الحكومة هي أن يشعر المواطن بالأمان، مشيرا إلى أن ذلك تحقق بالفعل، مبرزا أن حكومته تسعى إلى تطوير خدمات البنية التحتية، خاصة الطرق، ومياه الشرب لتحقيق التنمية الاقتصادية، والاجتماعية بدارفور خلال الفترة القادمة.
ومن جانبه، قال رئيس المجلس التشريعي بشمال دارفور عيسى محمد عبد الله " نحن نتعافى في دارفور بعد سنين عجاف من الحرب، ولا وجود للتمرد في دارفور، فنحن في مرحلة بناء السلام، وهي لا تقل أهمية عن المرحلة السابقة، مشيرا إلى أن مشكلة دارفور أقلقت كل السودانيين، وكذلك أصدقاء السودان، والجميع كانوا على قلب رجل واحد لتجاوزها، مؤكدا ثقته في مواصلة تضافر الجهود لبناء السلام".
وأوضح أن زيارة رؤساء ثلاث دول لدارفور للاحتفال بانتهاء أجل السلطة الانتقالية ستنعكس إيجابيا على السلام في البلاد، لأنها تؤسس لاستقرار دائم في الإقليم، وأن السودان كله يخطو خطوات ثابتة نحو الوفاق الوطني، وأن هذه الزيارة ستعزز عملية الحوار الوطني، وتدفع نحو استئناف مفاوضات السلام في أديس أبابا، خاصة بعد أن وقعت الحركات، والمعارضة على خارطة الطريق.
من جهته، أكد أحد مواطني مدينة الفاشر وهو رجل مسن يدعى فضل النبي محمد الريح (٧٣ عاما، يعمل بحرفة رعي الماشية) لمراسل وكالة أنباء الشرق الأوسط بالسودان، أن الوضع في دارفور تحسن كثيرا عما كان قبل خمس سنوات خاصة من الناحية الأمنية، قائلا" نحن الآن نستطيع الخروج من بيوتنا في أي وقت دون خوف، ونذهب للعمل ونحن مطمئنون أننا سنعود بخير إلى أبنائنا عكس ما كان يحدث في الماضي حيث كانت الحرب تهدد الجميع في رزقهم وروحهم".
وأضاف" إن السلام جعل الحياة أكثر سهولة وأمنا، فالمحال التجارية تفتح أبوابها طوال اليوم، والأسواق عامرة باستمرار، ويستطيع كل مواطن أن يحصل على احتياجاته في أي وقت، كما اطمأن كل شخص على أبنائه، وأصبحت المدارس مكدسة بعد أن كانت خاوية..مشيرا إلى أنه تزوج بسيدتين، وأنجب ستة ذكور، وعشر إناث..قتل منهم رجلان نتيجة الحرب دون أدنى ذنب، وأن أصغر أولاده طفل عمره أربعة أشهر رغم كبر سنه".