في رد سريع لحق بدعوات صدرت من أمريكا وفرنسا بإخلاء مناطق الهلال النفطي من الجيش الليبي وتسليمها لفئات تتبع مصلحة الدول الكبرى دون النظر للأوضاع في ليبيا، قام رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح قائد القوات المدعومة من هذا البرلمان، بترقية خليفة حفتر إلى رتبة مشير، وذلك بعد نحو سنة ونصف من ترقيته الى رتبة فريق أول وغداة سيطرة القوات التي يقودها على موانئ تصدير النفط الرئيسية في شرق ليبيا.
وفي بيان للبرلمان نُشر "أصدر القائد الأعلى للقوات المسلحة العربية الليبية المستشار عقلية صالح عيسى قرارًا بترقية القائد العام للقوات المسلحة العربية الليبية الفريق ركن خليفة بلقاسم حفتر الى رتبة مشير".
وطلب صالح من حفتر ترقية ضباط وضباط صف "القوات المسلحة العربية الليبية تقديرًا للدور البطولي الذي تؤديه قوات الجيش بكل شجاعة واقتدار لمكافحة الإرهاب بكامل التراب الليبي وصون وحماية مقدرات الشعب".
ويتحدر حفتر من الشرق الليبي وهو من مواليد عام 1943، وشارك في الانقلاب الذي قاده الزعيم الليبي السابق معمر القذافي عام 1969 قبل أن ينشق عنه أواخر ثمانينات القرن الماضي ويغادر الى الولايات المتحدة للإقامة هناك لينضم الى قيادات معارضة.
وإبان خدمته في قوات القذافي، ترأس حفتر في خضم الحرب الليبية -التشادية (1978-1987) وحدة خاصة، لكنه وقع في الأسر مع مئات العسكريين الآخرين، ليتبرأ منه نظام القذافي وقتها، قبل أن ينقل إلى الولايات المتحدة في عملية غامضة. وقدمت له واشنطن اللجوء السياسي، فنشط مع المعارضة في الخارج.
بعد عشرين عاما في المنفى، عاد حفتر ليقود قوات برية في الجيش إبان ثورة 17 فبراير 2011.
وبعدها أحاله المؤتمر الوطني العام، وهو البرلمان الأول بعد الثورة، على التقاعد مع عدد من الضباط الكبار.
لكن البرلمان الحالي أعاده إلى الخدمة العسكرية مع 129 ضابطا متقاعدا آخرين مطلع يناير 2015 قبل أن يؤدي في التاسع من مارس من العام نفسه اليمين قائدًا عامًا للقوات الليبية، بعد أن منحه البرلمان رتبة إضافية ورقاه إلى فريق أول.
وجاءت ترقية حفتر إلى رتبة مشير غداة سيطرة القوات التي يقودها على منطقة الهلال النفطي في شرق ليبيا وطرد القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا من هذه المنطقة.
وفي رد فعلها على الحادث، تراجعت حكومة الوفاق الوطني عن دعوة قواتها إلى مواجهة قوات حفتر، ودعا رئيسها فايز السراج جميع الأطراف إلى "اجتماع بشكل عاجل لمناقشة آلية للخروج من الأزمة".
وجاءت الدعوة غداة انقسامات وقعت داخل الحكومة جراء تأييد عضويين منها لعملية قوات حفتر.
وتعمل حكومة الوفاق الوطني على تفادي الانزلاق نحو تصعيد عسكري غداة سيطرة القوات المناهضة لها على موانئ تصدير النفط الرئيسية في شرق البلاد، وذلك عبر دعوة أطراف الأزمة إلى اجتماع لمناقشة آلية لحل الصراع.
وقال رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج في بيان على صفحة مكتبه الإعلامي على موقع فيسبوك "أدعو جميع الأطراف إلى إنهاء الأعمال الاستفزازية والاجتماع بشكل عاجل على طاولة واحدة لمناقشة آلية الخروج من الأزمة وإنهاء الصراع".
ويتضمن تصريح السراج تراجعا واضحا عن النداء الذي وجهته حكومة الوفاق الأحد، عقب بدء الهجوم المباغت، إلى قواتها لدعوتها إلى "أداء واجبها العسكري" والعمل على استعادة السيطرة على موانئ السدرة وراس لانوف والبريقة والزويتينة.
وأكد السراج في بيانه أنه لن يقبل بأن يقود "طرفا ليبيا أو أدير حربا ضد طرف ليبي آخر"، محذرا من أن ليبيا تمر "بمرحلة مفصلية" في تاريخها.
وتزامن هذا التصريح مع مؤشرات على انقسامات داخل فريق حكومة الوفاق. فقد أصدر عضوان في حكومة الوفاق بيانا أعلنا فيه تأييدهما للعملية العسكرية التي قادها حفتر في شرق ليبيا.
واعتبر علي القطراني وفتحي المجبري، وكلاهما يشغلان منصب نائب رئيس الوزراء، أن الهجوم "يؤسس إلى أوضاع تسيطر فيها الدولة على مواردها وتوظفها لصالح كل الليبيين".
ويعتبر القطراني مقربا من حفتر. وكان سمي عضوا في المجلس الرئاسي المؤلف من تسعة أعضاء والذي يشرف على حكومة الوفاق، في إطار الجهود التي رعتها الأمم المتحدة للتوصل الى تشكيلة حكومية تمثل كل الأطراف الليبيين، وتساهم في وقف نزاع ترجم بفوضى ومعارك وانقسامات وحروب في مناطق عدة ومستمر منذ خمس سنوات.
وولدت الحكومة في نهاية السنة الماضية واستقرت في طرابلس في نهاية آذار. لكنها لم تحظ بثقة البرلمان المنتخب والذي يتخذ من الشرق مقرا. كما لم توافق الحكومة الموازية على تسليمها سلطاتها.
في الوقت نفسه، رحب القطراني ردا على سؤال لوكالة فرانس برس ببيان السراج والدعوة الى الحوار، معتبرا أنه "يقطع الطريق أمام أي تدخل عسكري (خارجي) في ليبيا".
وأثار الهجوم على المنطقة النفطية استياء الولايات المتحدة وخمسة من كبار حلفائها الأوروبيين الداعمين لحكومة الوفاق، ووجهت الدول الست دعوة إلى "كل القوات المسلحة" الموجودة في الهلال النفطي بين مدينتي بنغازي (ألف كلم شرق طرابلس) وسرت (450 كلم شرق طرابلس) "للانسحاب الفوري وغير المشروط".
ويقود حفتر قوات مناهضة للحكومة الشرعية في البلاد التي تسمى حكومة الوفاق الوطني ويدعمه في مسعاه حكومة موازية وبرلمان منتخب في شرق البلاد، وقد أوشكت حكومة الوفاق الوطني بعد سيطرته على تلك الموانئ أن تعلن عملية عسكرية ضد حفتر غير أن رئيسها فايز السراج دعا إلى اجتماع عاجل للحكومة في محاولة لتفادي ذلك الوضع.