ما أشبه اليوم بالبارحة، فيبدو أن السياسة برغم كونها دائمًا متغيرة، بها ثوابت لا تتغير أبدًا بتغير الظروف، فهي دوما سياسة المصالح المتبادلة.
ونحن إذ نقف محللين لزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لكازاخستان وراصدين علاقة الزيارة بالمتغيرات في المنطقة العربية، يجب ألا نغفل أن كازاخستان هي الوريثة الكبرى للنووي السوفيتي، بمجموعة من العلماء يعدون من أعظم علماء هذا المجال على مستوى العالم.
كذلك فإن أغلب مصانع السلاح وعتاد التنصيع الروسي الثقيل مازالت قائمة وتعمل بتفوق في كازاخستان، فقد احتفظت هذه الدولة بعلاقة وثيقة مع الاتحاد السوفيتي بعد تفككه، مما ضمن لها التفوق في هذه المجالات.
وبالطبع لا يخفى على القارئ أن القمر الصناعي الروسي، الذي اشترته مصر، تم إطلاقه من قاعدة في كازاخستان، فضلا عن ما تحتويه هذه البلد من احتياطات رهيبة للنفط العالمي، بالإضافة إلى أنها من أكثر الدول المصدرة للقمح بالعالم، وبالتالي إلى مصر بعيدا عن الهيمنة الأمريكية.
لكل تلك الأسباب كانت كازاخستان أول الدول في جولة الرئيس الآسيوية، تليها اليابان وكوريا الجنوبية، كما كانت هذه الدولة الهدف من زيارات العديد من رؤساء مصر السابقين، ففى عام 2003 توجه الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك إلى كازاخستان عقب رفضه إشراك الجيش المصري في حرب العراق؛ لأن جيشنا المصري عقيدته أنه جيش يدافع عن أرضه ووطنه لا يتورط في حرب مع جيش عربي شقيق، وكان هذا سبب غضب الإدارة الأمريكية وقتها من مبارك، والدفع بالبلاد لأزمات اقتصادية متكررة، تلتها أزمة القمح الشهيرة في عام 2008 والتي حلها مبارك أيضا بعيدًا عن سيطرة الأمريكان بالاتجاه إلى كازاخستان التي منحت مصر وقتها القمح اللازم، بعد أن تحلمت القوات المسلحة وقتها العبء الأكبر بضخ جزء من مخرونها الاستراتيجي في الأسواق حتى انتهت الأزمة.
فهل عبرت كلمة الرئيس السيسي الأخيرة بقوله «ياريت كان ينفع أتباع عشان مصر» عن ضغوط جعلته يتجه أيضا إلى كازاخستان لرفضه فكرة المشاركة العسكرية في سوريا وتمسكه بالحل السياسي، وهو التاريخ دائما ما يذكر بما تتعرض له مصر دومًا من ضغوط ومساومات.