اعلان

احتفالية مجلس النواب تعزز ثقافة الديمقراطية

البرلمان المصرى - أرشيفية
كتب : وكالات

جاءت احتفالية مجلس النواب بمرور 150 عاما على بدء الحياة النيابية بمصر لتعزز "ثقافة الديمقراطية" وتعيد للأذهان مدى ثراء التراث النيابي والحياة البرلمانية في أرض الكنانة، فيما كان حجم الحضور البرلماني الدولي للضيوف في هذه الاحتفالية يعبر بوضوح عن تقدير العالم لعراقة الحياة النيابية المصرية.

ولن تغيب عن الأذهان دلالة حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على حضور الاحتفالية التي اقيمت أمس "الأحد" بمدينة شرم الشيخ وتأكيده على أن هذه المناسبة تجسد عراقة الحياة النيابية بمصر؛ "التي شهدت تشكيل اول مجلس نيابي في العالم العربي وافريقيا".

وكان الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب قد أكد في كلمته بالاحتفالية على أن "مصر عرفت النظام السياسي لأول دولة في التاريخ وقدمت أقدم النظم التشريعية للعالم"، فيما أشار الأمين العام للاتحاد البرلماني الدولي مارتن شون جنق، إلى أن مصر انضمت لهذا الاتحاد منذ عام 1924.

وفي الاحتفالية التي حضرها أيضا رئيس الحكومة المهندس شريف اسماعيل ورئيس البرلمان العربي أحمد بن محمد الجروان ورؤساء برلمانات عدة دول صديقة، إلى جانب العديد من أعضاء مجلس النواب المصري، رأى رئيس البرلمان الأفريقي؛ روجيه انكودو، أن هذه الاحتفالية هي احتفالية "لكل افريقيا".

وفيما تتردد عبارة "ثقافة الديمقراطية" في خضم المشهد المصري الحالي تبدو الثقافة المصرية مدعوة لإسهامات جديدة على هذا المضمار الذي يتوافق مع العلاقة الوثيقة بين الحياة النيابية واحلام التنوير والنهضة التي سكنت أرواح وعقول المصريين منذ القرن التاسع عشر.

ولئن تناولت أصوات ثقافية مصرية عبر وسائل الإعلام الأداء البرلماني لممثلي الشعب والمهارات التشريعية والرقابية لأعضاء مجلس النواب وخبراتهم السياسية والقانونية ولغة الخطاب النيابي، فإن كل هذه المسائل وغيرها يمكن أن تجد مددا في التراث البرلماني المصري بتقاليده العريقة ولمحاته المضيئة كما أنها متصلة بنسق القيم الثقافية -السياسية ومسارات المشروع الوطني ومعالم المستقبل المنشود.

وفيما تتردد في الآونة الأخيرة بقوة عبر منابر ثقافية وإعلامية أحاديث وطروحات حول "الدولة التنموية الديموقراطية القادرة على تحقيق التقدم والعدالة الاجتماعية"، فإن مثل هذه الأحاديث والطروحات لن تتحقق في أرض الواقع بمعزل عن ممثلي الشعب في مجلس النواب، فضلا عن أعضاء المجالس المحلية والأحزاب وكل مؤسسات التنشئة الثقافية-السياسية التي لا بد وأن تسهم في دعم التماسك المجتمعي وحقوق المواطنة لكل المصريين تحت مظلة سيادة القانون.

ويقول صوت من أصوات الجماعة الثقافية المصرية هو أستاذ الاقتصاد الدكتور محمد عبد الشفيع عيسى، أن جيل الشباب الحالي من يتعرض للتنشئة السياسية من أي نوع بسبب حالة الفراغ السياسي والحزبي القاحل في ظل أنظمة سابقة وانزواء دور الدولة في المجال الاقتصادي-الاجتماعي وهيمنة الطغمة الطفيلية على مسارات الثروة والسلطة وانسداد أفق التجدد الجيلي للنخبة المسيطرة.

وكما رأى أن هذا الجيل الجديد، "يتعرض لغواية وإغراء السياسة المعلومة"، انطلاقا من الغرب، "وتشاء المقادير أن تضع حديث الحريات في تقابل متعاكس مع حديث الدولة الوطنية وفي وجه عواصف مدمرة أحاطت بالدولة في مصر وفي جوارها اللصيق من الاقليم العربي العتيد".

فمجلس النواب الذي يحتضن ممثلي الشعب طرف أصيل في صياغة بنية وقواعد التماسك المجتمعي والتلاحم الوطني في وقت تعيش فيه مصر وسط بيئة اقليمية مضطربة وعالم يتشكل حسب قواعد جديدة في العلاقات الدولية تتطلب تفكيرا مبدعا يتجلى ضمن مجالات عدة في السياسات التشريعية، ناهيك عن السياسات الثقافية للتعامل مع المتغيرات المتلاحقة وحماية المصالح الوطنية المصرية إلى جانب المصالح القومية للأمة العربية.

وإذ تحدث الأمين العام للاتحاد البرلماني الدولي مارتن شون جنج، في احتفالية شرم الشيخ بكل رمزيتها ودلالاتها المهمة عن أهمية، "تنمية الآداء البرلماني"، فإن ثمة حاجة أيضا للاهتمام بتنمية الأداء الحزبي في وقت يكاد أغلب المحللين والمعلقين والمعنيين بالشأن العام في مصر يتفقون على ضعف الأحزاب السياسية وافتقارها للتأثير المفترض في الشارع المصري وهي ظاهرة واضحة لكل ذي عينين.

وفي الوقت ذاته، فإن أي مصري يعتز بالانتماء لهذا الوطن لا يمكنه قبول فكرة عدم جدارة المصريين بالديمقراطية لأن هذا المفهوم بقدر ما ينطوي على إهانة لشعب مصر يحمل أضرارا جسيمة حتى لعملية التنمية الشاملة المنشودة ويعيد انتاج اخطاء تاريخية ألحقت أضرارا فادحة بتجارب تاريخية لم تفتقر لحسن النوايا.

فغياب الديمقراطية أو تغييبها كان أحد أهم أسباب فشل الأنظمة العربية التي رفعت شعارات القومية العربية وتبنت مبادئ العدالة الاجتماعية والوحدة، فيما باتت هذه الأنظمة عمليا في ذمة التاريخ وأسدل عليها الستار بصورة مأساوية رغم أنه لا يمكن تجريد بعضها من النوايا الحسنة والأماني الصادقة في صنع التقدم وتحقيق العدالة.

وإذا كان لا يمكن الآن في زماننا الذي نعيش مكوناته أن نفصل بين ما هو سيأسى واجتماعي وما هو سيأسى، وثقافي، فإن أدبيات ثقافة الديمقراطية في مصر والعالم العربي لايزال ينقصها الكثير للحاق بركب الأدبيات العالمية.

وإذا جازت الاستعارة من سياقات ديمقراطية في دول أخرى مع مراعاة اختلاف التفاصيل وخصوصيات كل تجربة انسانية، فإن للعقل الثقافي المصري أن يبحث في أفضل السبل "لبناء مصر الديمقراطية الأفضل"، كما تحدث فيلسوف السياسة الأمريكي جون راولز وصاحب "نظرية العدالة"، وأحد أهم مفكري الغرب في القرن العشرين عن "بناء أمريكا أفضل".

فقد طور جون راولز نظرية عن العدالة والنزاهة بدأت بمقالة في مجلة فلسفية وترتكز على مبدأين أساسيين: ضمان الحريات الأساسية للجميع وألا تؤدي المتمايزات او حالة عدم المساواة الواقعية في الأوضاع الاقتصادية-الاجتماعية للمواطنين الى الاخلال الجوهري بالمساواة الفعلية في الفرص امام الجميع.

وهنا بالتحديد؛ أي في ضمان تكافؤ الفرص رغم اختلاف الأوضاع الاقتصادية-الاجتماعية للمواطنين في واقع المجتمع الأمريكي، يكمن اسهامه الكبير في ثقافة الديمقراطية، فيما يؤكد جون راولز أن فكرة "المشروع المشترك" في الرأسمالية الجيدة تعنى "قواعد عادلة لكل الأطراف ومراعاة المصالح الأساسية لكل مكونات الشراكة"، وهو ما ينبغي أن يكون على مستوى المجتمع ضمن سياق عام يجيب على أسئلة الثقافة والتاريخ والملائمات السياسية.

فجون راولز؛ أحد المهمومين ببناء نظرية أفضل للديمقراطية في الولايات المتحدة تقلل قدر الإمكان من نتائج عدم المساواة في الأوضاع الواقعية من الناحية الاقتصادية-الاجتماعية بالمجتمع الرأسمالي على مبدأ المساواة المنصوص عليه دستوريا وعلى فكرة الديمقراطية ذاتها والحرية كقيمة.

وإذا كان جون راولز الذي أصدر في عام 1971 كتابه الشهير: "نظرية العدالة" وهو ابن المجتمع الأمريكي بثقافته وأفكاره وقيمه قد وضع فكره في خدمة قضية تقدم شعبه فهل يمكن أن ينتج المجتمع المصري وثقافة ثورة 25 يناير-30 يونيو مفكرين يسهمون بنظريات مؤثرة في ثقافة الديمقراطية تدفع بلادهم الى الامام كما في حالة راولز؟!

وقد تكون هناك حاجة لاستلهام ومضات من التراث المصري الثري والتاريخ الثقافي الحافل بلمحات مضيئة في الحياة النيابية ضمن مواجهة اشكاليات الحاضر فيما أوضح الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته باحتفالية مجلس النواب أن تاريخ الحياة النيابية بمصر ظل عبر العقود الماضية مرآة للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد لافتا إلى أن "الحياة البرلمانية لدينا شأنها شأن باقي الدول تعكس الحياة الحزبية ومدى التطورات التي تشهدها الساحة السياسية".

وإذ عرض القائمون على تنظيم الاحتفالية فيلما وثائقيا يرصد مراحل تطور الحياة النيابية المصرية على مدى 150 عاما، فلعل روح أحد الآباء الثقافيين المصريين وهو أحمد لطفي السيد "أبو الليبرالية المصرية"، كانت تبارك احتفالية مجلس النواب التي تصب في مربع دعم الديمقراطية بقيمها وتقاليدها الأصيلة، فيما قال الدكتور علي عبد العال أن "هذه الاحتفالية تؤكد أن مصر تبعث اليوم برسائل للعالم أنها ماضية في طريقها الديمقراطي الذي رسمته".

وواقع الحال أن ثمة حاجة تفرضها ضرورات الواقع وتحديات القوى الظلامية ناهيك عن إعلاء قيمة الديمقراطية وافكار الحرية "لإحياء ثقافي لليبرالية المصرية واستلهام نموذج احمد لطفي السيد" الذي استحق عن جدارة لقب "ابو الليبرالية المصرية".

وأحمد لطفي السيد ولد في الخامس عشر من يناير عام 1872 وقضي في الخامس من مارس عام 1963 كان في فكرته "افلاطونيا" بجميع معاني هذه الكلمة بتعبير المفكر المصري العملاق عباس محمود العقاد.

ومن معانيها كما يوضح العقاد "أن الرجل العام ينبغي أن يعيش للمصلحة العامة تطوعا وحسبة بغير جزاء وألا يشتغل بخاصة أموره الشخصية لأن الدولة التي يتجرد لخدمتها هي التي تتكفل له بكل وسائل التفرغ لتلك الخدمة وليس له بعد ذلك حق في وقته الخاص لغير القيام بحقوقها".

وتؤشر بعض الكتابات والندوات والأنشطة الثقافية-السياسية إلى أن هناك التباسات وحالة من سوء الفهم في الشارع المصري والعربي على وجه العموم لليبرالية وبصورة تستدعي جهدا ثقافيا لتوضيح مصطلح "الليبرالية" وتبسيطه.

ومع أن بعض المثقفين المصريين يؤكدون على أن المجتمع المصري "ليبرالي بالفطرة كما هو متدين بالفطرة وأنه لا تعارض بين الليبرالية والدين" فإن بعض جوانب أزمة الليبرالية المصرية في الواقع الراهن تكاد لا تختلف عن "زمن ابو الليبرالية المصرية أحمد لطفي السيد" الذي خسر معركة انتخابية بسبب التصورات الخاطئة في المخيل الشعبي لليبرالية والديمقراطية والتي قد يغديها البعض عمدا لتحقيق مكاسب سياسية.

وقصة سقوط أحمد لطفي السيد في انتخابات الجمعية التشريعية إحدى عجائب الدعاية الانتخابية التي تعرض لها جراء المناداة بالحقوق الديمقراطية اذ كان منافسه "الريفي الماكر" يشيع عنه أنه يطلب للمرأة الحق في الجمع بين أزواج أربعة لأنه يطلب لها المساواة الديمقراطية وعندما يسأله الناخبون: "هل أنت حقا من طلاب الديمقراطية"؟! يجيبهم بالتأكيد!

وقد تلقى احمد لطفي السيد هذه الخسارة في المعركة الانتخابية بصبر الحكماء وفكاهة العظة والاعتبار وهو لا يخفي إعجابه بذلك "الريفي الماكر" الذي غلبه باسم الديمقراطية وهذه الديمقراطية التي نادى بها احمد لطفي السيد فكرة وقولا عاش لها وعاش بها وكانت هي الطابع الذي طبع عليه بمزاجه قبل ان يطبع عليه بتفكيره ودراسته وكان بحق "ارستقراطيا بالشكل وديمقراطيا بالموضوع".

كان هذا الرجل الممتاز بشخصيته وخلقه "فكرة في حياة" او "حياة ملكتها الفكرة" في خاصة شأنه وعامة عمله وقوله حتى أن العقاد في تقييمه لهذا الليبرالي المصري العظيم وضعه بين مفكري العصور كرجل ديمقراطي المبدأ في تفكيره وسياسته ودعوته الوطنية.

وقال عنه "انه في عصرنا هذا زميل عربي لأرسطو اليوناني تجدد مع الزمن في مدرسة الثورة الفرنسية، مدرسة فولتير وروسو ومونتسكيو وعاش بعدهم فتقبل من حكمة العصر ما كانوا يتنزلون إلى قبوله من حكمة القرن العشرين ولكنه لم يزل بعد منتصف هذا القرن على نمطه السلفي الافلاطوني فكرا في اهاب انسان".

وأعاد رئيس مجلس النواب الدكتور علي عبد العال للأذهان انه بعد اندلاع ثورة 1919 وضعت مصر دستور 1923 ونص على الأخذ بالنظام النيابي محاكيا بذلك أحدث النظم الأوروبية فيما لفت إلى أن هذا الدستور جعل الحكومة مسؤولة أمام البرلمان وأكد على احترام الحقوق والحريات وقرر استقلال القضاء.

واستعرض الدكتور علي عبد العال في كلمته باحتفالية شرم الشيخ التطورات الدستورية والكيانات النيابية بعد ثورة 23 يوليو 1952 واصدار دستور 1971 الذي طور من دعائم النظام النيابي الديمقراطي وصولا لثورتي 25 يناير و30 يونيو واقرار دستور جديد في الثامن عشر من يناير عام 2014 رسم قواعد بناء دولة ديمقراطية حديثة واعطى الفرصة للشباب والمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة للمشاركة بشكل كبير في الحياة السياسية كما جرت على اساسه انتخابات برلمانية شهد العالم بنزاهتها وشفافيتها وشكلت تطورا مهما في الحياة النيابية.

وكانت وزارة الثقافة ممثلة في دار الأوبرا ضمن جهات عدة اسهمت في رعاية احتفالية شرم الشيخ التي أعادت للأذهان تاريخا عريقا لمصر والمصريين في قضايا الحرية والتقاليد الليبرالية، كما كانت مكتبة الإسكندرية ضمن هذه الجهات والهيئات والوزارات التي تضافرت معا لتقدم للعالم جانبا من حقيقة مصر ورسالتها الحضارية الخالدة.

إنها مصر الكبيرة بعيون مثقفيها على "المرئي وغير المرئي" في حركة الأفكار وصراعات الرؤى بعالم يمر بمرحلة جديدة من التشكل، مصر التي تقرأ بعمق ما يحدث الآن في هذا العالم بعيدا عن أي تشنج عقائدي أو جمود فكري أو تسلط ظلامي حتى لا نحتضن الهاوية بين جدران معتمة! و، مضيفا أنه يشعر بالامتنان لمثل هذه المبادرة.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
مدبولي لـ وزير المالية: هناك قرار بتوفير الأموال المطلوبة لحل أزمة تخفيف أحمال الكهرباء