أكد وزير الثقافة الجزائري عز الدين ميهوبي أن الشعب الجزائري دفع ثمنا باهظا في سبيل حريته وإعادة استقلال بلاده من أجل بناء دولة وطنية متكافئة الفرص يسود العدل بين أبنائها، مشيدا بالموقف المصري الداعم لـ"ثورة التحرير"الجزائرية وقال إن هذا الموقف لا ينساه أي جزائري.
وقال ميهوبي، في حديث صحفي اليوم الثلاثاء بمناسبة ذكرى ثورة التحرير الجزائرية التي تصادف الأول من نوفمبر، إن " الثمن الذي دفعه الجزائريون كان باهظا، الفاتورة كبيرة لكن استعادة الاستقلال أكبر وأسمى..أقول استعادة الاستقلال وليس الاستقلال لأن الجزائر كانت محررة قبل الاحتلال الفرنسي لها".
وأضاف: "بعد استعادة الاستقلال بالثورة كان الهدف الأساسي هو بناء دولة وطنية متكافئة الفرص بين كل أبناء الشعب الجزائري، تم إرساء مبدأ العدالة الاجتماعية واستمر هذا المبدأ وهذه الثقافة راسخة حتى اليوم".
وأكد أن الدور المصري لا يمكن أن تنساه الجزائر أو أي مواطن جزائري، فمصر دعمت "ثورة التحرير"، مشيدا بتأييد مصر للثورة الجزائرية ولكل مطالبها، وقال: إن هذا التأييد كان مطلقا وبلا حدود.
واندلعت ثورة التحرير الجزائرية في أول نوفمبر 1954 ضد فرنسا ودامت سبعة أعوام ونصف العام، واستشهد فيها مليون ونصف مليون جزائري حتى تم اعلان استقلال الجزائر عام 1962.
وقال ميهوبي إن:" الثمن الذي دفعه الجزائريون كان باهظا وكبيرا لأنه لم يدفع فقط في السنوات السبع التي سبقت إعلان ثورة الأول من نوفمبر ولكنه دفع منذ بداية المقاومة الشعبية التي انطلقت من كافة المدن والولايات الجزائرية، فالمقاومة لم تتوقف أبدا وهي التي أسست لفعل التحرر، وجاء الفعل السياسي لاحقا مع الحركة الوطنية وهو الذي أرسى قواعد العمل على مسارين هما السياسي والمسلح".
وأوضح أن نضال الشعب الجزائري لم يتوقف على هذين المسارين وإنما امتد ليشمل "مواجهة الفرنسة" التي استهدفت ضرب القيم والهوية واللغة ومحو الشخصية الجزائرية غير أن الجزائريين عملوا على الإبقاء على جذوة الروح الوطنية مشتعلة حتى وصلت في النهاية إلى أوجها من خلال إعلان الثورة، مؤكدا أن الثورة حققت أهدافها من قيم "العزة والكرامة" التي كان يهدف اليها الجزائريون الذين استعادوا هويتهم وقرارهم وسيادتهم.
وأشار إلى أن الجزائر تدار حاليا من قبل "نخبة الاستقلال" في ظل حضور متميز وقوي من "جيل الثورة" الذي يبقى دائما المشعل الذي نستمد منه جذوة الحفاظ على البلد والعمل على تطويره، مضيفا:"أن هذا الجيل هو من نتاج الثورة الذي يتولى المسئولية في مختلف المواقع السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والإدارية".
وفيما يتعلق بوضع اللغة العربية في الجزائر، قال وزير الثقافة:" إن الجزائر من البلدان القليلة التي أولت اللغة العربية قيمة كبيرة حيث يوجد ثلاث هيئات تتبع رئاسة الجمهورية بشكل مباشر تعنى جميعها باللغة العربية والمحافظة عليها لأن اللغة تعني الهوية".
وأضاف:" اللغة العربية طبقا للدستور الجزائري هي لغة الدولة وهي اللغة الوطنية الرسمية جنبا إلى جنب مع اللغة الأمازيغية التي نص التعديل الأخير في الدستور على أنها لغة رسمية ووطنية أيضا".
وتابع قائلا:"اللغة العربية في الجزائر وضعها أفضل حالا مما نراه في بعض البلاد العربية..الجزائر تعرضت لاستعمار استيطاني يعمل على اقتلاع الهوية الجزائرية من ضرب اللغة والدين والعادات وكل هذه الثوابت ويعمل على محوها وطمسها...اللغة العربية جيدة بالجزائر ولا خوف عليها وهي أفضل حالا منها في دول لم تتعرض لاستعمار أو احتلال".
وفيما يتعلق بتوثيق أحداث الثورة الجزائرية، قال وزير الثقافة عز الدين ميهوبي إن:"الجزائريين يصنعون التاريخ ولا يحسنون كتابته إما خوفا من هذا التاريخ أو تواضعا أمامه وبين الخوف والتواضع لاحظنا أن هناك كثيرا من الأحداث والذكريات تضيع من بين أيدينا لأن تواضعنا قد يصيب الأجيال القادمة بحالة نفور من هذه الثورة إذا حدثناهم عنها أو قد يزحف النسيان إلى ذاكرة الناس والأجيال المقبلة".
وأضاف:"لم يكتب عن الثورة الجزائرية بالرغم من عظمتها سوى 3000 كتاب ظهرت موثقة لأحداث الثورة وهي من مؤلفين عرب أو غربيين والشهادات التي قدمت عن الثورة قليلة قياسا إلى حجم هذه الثورة".
وتابع:"الثورة الجزائرية ثورة عالمية ومصدر اعتزاز لأحرار العالم لأنها أظهرت رغبة عارمة في التحرر واستعادة الاستقلال والحرية ولو كانت الفاتورة هي أن تدفع بنصف شعبك أن يضحي لأن المسألة مرتبطة بالحق في الحياة والحريات"، مشيرا إلى أن هناك أعمالا تقوم بها الدولة لتوثيق الثورة وأحداثها ورموزها وأبطالها لأن من حق الأجيال الحالية والمقبلة معرفة هذه الرموز.
وأكد الوزير أن الدستور الجزائري يولي عناية كبيرة لكتابة التاريخ الوطني المجيد والحرص على تبليغه للأجيال المتعاقبة للأمة وجعل الماضي الجزائري المشرف منبعا لاستلهام التطور والمضي نحو الازدهار.
وفيما يتعلق بسعي السلطات الجزائرية لاستعادة "جماجم الشهداء" المحتجزة حاليا لدى فرنسا، قال وزير الثقافة الجزائري إن هناك قنوات كثيرة تتبعها السلطات الجزائرية لإقناع السلطات الفرنسية بضرورة استعادة هذه الجماجم الموجودة في أقبية وأماكن مغلقة لأن هولاء هم رموز لنضال شعب، فما الجدوى لأن تظل هذه الجماجم حبيسة ومحتجزة في متحف يدين نفسه.
وأشار ميهوبي إلى أن السلطات الجزائرية تعمل على استعادة جماجم الشهداء ومتابعة هذا الملف بشكل جدي وأنها تستخدم كل الأدوات القانونية والدبلوماسية لاستعادة هذه الجماجم.
وأوضح أن ملف استرجاع جماجم هؤلاء الشهداء متكفل به من طرف وزارة "المجاهدين" بالتنسيق مع وزارة الشؤون الخارجية وذلك من خلال الاتصال المستمر مع سفارة الجزائر بفرنسا، مشيدا بالتضحيات الجسام للشهداء والمجاهدين في سبيل استرجاع السيادة الوطنية وكذا مآثرهم وأمجادهم.