أكد الدكتور عبد المنعم السيد مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، اتخاذ حزمة من الإصلاحات النقدية والمالية المتكاملة، بما يمكن الاقتصاد من مواجهة التحديات القائمة، ومن أهم هذه الإصلاحات السياسات النقدية والائتمانية، وذلك إثر الضغوط والتحديات الداخلية والخارجية التي تعرض لها الاقتصاد المصرى.
قال السيد، في دراسة حديثة له، إن البنك المركزي واجه ضغوطًا متزايدة منذ نهاية عام 2015، نتيجة الإصرار على سياسة استهداف سعر الصرف، وما ترتب عليها من استنزاف الاحتياطي، في ظل تفاقم عجز الموازنة، بسبب متطلبات الاستيراد وأعباء الديون من أقساط وفوائد، فى الوقت الذى انخفضت فيه مصادر التغذية، خاصة من المساعدات الخليجية وإيرادات السياحة وتدفقات الاستثمار الأجنبي.
وأضاف أن البنك المركزى أصدر في سبيل ترشيد الطلب على العملة الأجنبية، العديد من القرارات، تضمنت ضرورة إلزام البنوك بالحصول على تأمين نقدي بنسبة 100% بدلا من 50% فقط على الاعتمادات المستندية التي تفتح لتمويل استيراد سلع لحساب الشركات التجارية، أو لحساب الجهات الحكومية، وفي حالة تعزيز كمبيالات مقدمة على قوة تسهيلات موردين لاستيراد هذه السلع لحساب تلك الجهات، أو لمقابلة أي التزامات على البنك، بما في ذلك إصدار خطابات ضمان بخصوص عمليات الاستيراد لحساب التجار والجهات الحكومية، ويقتصر الاستثناء من التأمين النقدي المشار إليه على عمليات استيراد كل من الأدوية، والأمصال والمواد الكيماوية الخاصة بها، وألبان الأطفال فقط مع التأكيد على عدم استخدام الحدود الائتمانية المصرح بها للعملاء من البنوك في سداد التأمين النقدي المشار إليه، بما فيها التسهيلات الائتمانية بضمان أوراق تجارية أو مالية.
وأوضح أن القرار منع إعادة تمويل العمليات الاستيرادية لأغراض التجارة، التي تخضع لتأمين نقدي بواقع 100% كما ورد بالبند السابق- من خلال منح حد تسهيلات مؤقتة بالعملة الأجنبية وفقًا لكتاب نائب محافظ البنك المركزي المصري، رقم 9 الصادر بتاريخ 14 يناير 2013، على أن يستمر السماح بإعادة تمويل العمليات الاستيرادية لغير أغراض التجارة، السلع الغذائية الأساسية والتموينية (غير شاملة هيئة السلع التموينية)، والأدوية والأمصال والمواد الكيمياوية الخاصة بها، وألبان الأطفال.
وتابع: في يناير 2016 تم زيادة الحد الأقصى للإيداع النقدى الدولارى، ليصبح 250 ألف دولار شهريًا أو ما يعادله بالعملات الأجنبية، ودون حد أقصى للإيداع اليومى، بهدف تعزيز انسياب حركة التجارة الخارجية وتيسير المعاملات المصرفية، وفي مارس من نفس العام المنقضي، اتخذ البنك المركزى المصرى عدة إجراءات تصحيحية منها إلغاء الحد الأدنى والأقصى للسحب والإيداع للدولار للأفراد والمؤسسات وفرض عقوبات كبيرة على شركات الصرافة غير الملتزمة بقراراته، تصل إلى حد الإغلاق وبالفعل تم صدور قرار بإلغاء وسحب ترخيص وإيقاف أكثر من شركه صرافه خلال 2016.
وأضاف أن البنوك طرحت عددًا من الشهادات الادخارية الاستثمارية مثل شهادات بلادي الادخارية للمصريين العاملين بالخارج وشهادات الجنيه المصري والذي يصل عائده إلى نسبة 15%.
وأشار إلى رفع سعر صرف الدولار في البنوك ليصل إلى 8.90 جنيه للشراء و8.95 جنيه للبيع، وبنحو 112 قرشا دفعة واحدة، ليقترب من سعر السوق السوداء التي بدأت أسعار الدولار تنخفض بها، موضحا أن البنك المركزي طرح عطاءً استثنائيًا بقيمة مليار ونصف مليار دولار في البنوك، وذلك لتوفير الدولار لجميع المستوردين والمستثمرين وتغطية طلبات استيراد السلع الأساسية، ما أسفر عن تقليص الفجوة بين السعر الرسمي وغير الرسمي للدولار، وترشيد استيراد سلع الرفاهية والمنتجات ذات البديل المحلى.
من ناحية أخرى ارتفع معدل التضخم نتيجة لانتقال الأثر الى أسعار السلع المحلية والمستوردة، ما أسفرت هذه الإجراءات عن تقليص الفجوة بين السعر الرسمي وغير الرسمي للدولار، فقد أدت إلى زيادة التضخم وزيادة الأسعار للسلع المحلية والمستوردة.
وتابع: "للعمل على ضبط صرف العملة الصعبة من البنوك المصرية، خفضت البنوك العاملة فى السوق المحلية، متوسط الحد الأقصى للمشتريات من خلال بطاقات الائتمان المصرية خارج الحدود من متوسط 30 ألف دولار شهريًا إلى 10 آلاف كحد أقصى، كما خفضت حدود مبيعاتها من "الكاش" الدولارى للعميل المسافر من 5 آلاف إلى 3 آلاف دولار لكبار العملاء، ومن 3 آلاف إلى ألفى دولار للعملاء المتوسطين، وألف دولار فى المتوسط لصغار العملاء بدلًا من ألفى دولار".
وأضاف مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، أن البنوك الحكومية الثلاثة طرحت شهادات دولارية للمصريين المقيمين فى الخارج، تحت مسمى "بلادي"، لآجال سنة و3 و5، بحيث تمنح الشهادة لأجل سنة عائدًا يبلغ 3.5%، ولأجل 3 سنوات 4.5، ولأجل 5 سنوات 5.5%، ويتم الاكتتاب بحد أدنى 100 دولار، ولا يمكن استرداد الشهادة أجل سنة قبل تاريخ استحقاقها، بينما يمكن استرداد الشهادة أجل 3 سنوات بعد 6 أشهر من تاريخ الإصدار، وسنة لأجل 5 سنوات.
وأكد أن هذا القرار لحقه إصدار شهادات أخرى تحت نفس الاسم شهادة "بلادى"، وتم طرحها للمصريين فى الخارج وتصرف بـ"اليورو"، ويكون العائد 2% سنويا للشهادة مدة سنة واحدة، و3% للشهادة مدة ثلاث سنوات، و3،5% للشهادة مدة خمس سنوات، ويحتسب العائد عليها جميعًا اعتبارًا من يوم العمل التالى ليوم الشراء، ويصرف العائد باليورو كل ستة شهور.
وتابع: على الرغم من كثافة هذه الإجراءات إلا أن السوق الموازية شهدت نموا كبيرا وارتفع الهامش بين السعر السائد فيها والسعر الرسمي، وفي سبيله لمواجهة هذه الضغوط اتخذ "المركزي" قرارًا بتحرير سعر صرف الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية، ليصل في البنوك إلى 13 جنيهًا كسعر استرشادي، مقابل 8.88 جنيه قبل القرارات الجديدة، وأطلق البنك المركزي الحرية للبنوك العاملة بالبلاد في تسعير النقد الأجنبي من خلال آلية سوق ما بين البنوك (الانتربنك) كما أعلن عن ضمانه لكل أموال المودعین بالجهاز المصرفي بكافة العملات، وأكد على عدم فرض قيود على إيداع وسحب العملات الأجنبية للأفراد والشركات".
وأضاف أن هدف القرار كان علاج التشوهات في منظومة أسعار الصرف، واستعادة تداول النقد الأجنبي داخل الجهاز المصرفي بصورة منتظمة ومستدامة، تعكس آليات العرض والطلب وإنهاء تداول العملات خارج القنوات الشرعية، مشيرا إلى أنه لمواجهة تداعيات هذا القرار على الودائع المصرفية، شهد هيكل سعر الفائدة تغيرات جذرية، وأعلن البنك الاهلي رفع سعر فائدة الشهادة البلاتينية إلى16 % للإصدارات الجديدة مقارنة بمعدل 12.5 % سابقا، كما أصدر شهادة استثمار بنسبة 20 % على أن تكون مدة الشهادة 18 شهرا، ويصرف العائد كل ثلاثة أشهر، كما تم زيادة فائدة شهادة قناة السويس الجديدة إلى 15.5 % مقارنة بعائد 12% على الشهادات السابق إصدارها، لتكون مقاربة لزيادة فائدة الشهادات البلاتينية، وبدورها أعلنت الهيئة القومية للبريد زيادة فائدة دفتر توفير البريد الي 10.25%.
وذكر أن العائد على أدوات الدين الحكومى بعد قرار تحرير أسعار صرف الجنيه ارتفع ليتراوح بين 18% و20%، بعد رفع البنك المركزى أسعار الفائدة الأساسية بشكل استثنائى في٣ نوفمبر ٢٠١٦ بمعدل 300 نقطة أساس على سعرى عائد الإيداع والإقراض ليصلا إلى 14،75 % و15،75 %على التوالى، وكذا رفع سعر العمليات الرئيسية للبنك المركزى ليصل إلى 15،25% وزيادة سعر الإئتمان والخصم ليصل إلى15.258%.
وأكد الدكتور عبدالمنعم السيد أن التطورات السابقة أسفرت عن حدوث بعض التغير في سوق النقد الأجنبي، وتراجع الطلب الاستثمارى على الدولار، فضلًا عن زيادة المعروض من الأفراد لجنى أرباح استثماراتهم، كما ارتفعت حيازات الأجانب من الأدوات المالية الحكومية بين 700 و900 مليون دولار منذ تحرير الجنيه، ما يعد أعلى مستوى لاستثمارات الأجانب فى أوراق الدين الحكومى منذ تصفية هؤلاء المستثمرين لاستثمارات تزيد على 10 مليارات دولار فى الدين الحكومى بعد التغيرات السياسية في أعقاب يناير 2011، وبلغ صافى تدفقات النقد الأجنبى إلى مصر نحو 1،5 مليار دولار منذ تحرير سعر صرف الجنيه، وفقًا لبيانات البنك المركزي،بما يدعم إيجابية التصنيف الائتمانى لمصر، ويقلل مخاطر عدم تمكنها من سداد الالتزامات الخارجية المطلوبة.