دفع طفل الرابعة من عمره ثمن التفكك الأسري، الذي طال أسرته منذ صباه بعد أن قرر والديه الانفصال عن بعضهما البعض وتزوج كلا منهما شخص آخر، وقررا إلقاء طفلهما بالشارع لعدم الرغبة في الإبقاء علي ما يذكرهما بماضٍ يبذلان قصارى جهدهما لنفيه من الحياة.
"أشرف إبراهيم محمد سيد"، لم يعي ما يحدث له، فمنذ الرابعة لم يجد سوى الشارع كلمجأ له يأويه، فتارة يجلس مع الكلاب الضالة التي تمنحه طاقة حنان لم يراها من قبل أهله، وتارة أخرى يلجأ للمساجد والكنائسْ للعيش في أمان بعيدًا عن زحام الميادين العامة التي يجلس فيها أحيانًا لإيجاد من يحنو عليه بلقمة عيش أو ما تبقي بيدي عابر سبيل.
سرعان ما مضت الأيام وكبر الطفل الصغير لكن إهمال الأسرة له وتخليها عن دورها المنوط بها في أن ينشأ بين ذراعي الأسرة الأم والأب، فقد اكتشف "أشرف" أنه غير قادر على السير على قدميه، لم يهتم وأكمل مشواره لكن الفاجعة الأكبر التي أصابته بصدمة موجعة هي اكتشافه أيضًا عدم مقدرته على التحدث بشكل طبيعي.
انطلق "أشرف"، لاستكمال رحلة البحث عن حنان الأسرة المفقودة بين أحضان من يقطنون الشارع، ففي البداية بحث كثيرًا علي مأوي يختبأ فيه ما تبقي من عمره وعن شخص يساعده على قضاء حاجته لكن باءت محاولاته بالفشل بعد أن وعده الكثير من الأهالي باستضافته، ولكنها وعود زائفة.
استمر طويلًا يبحث ويبحث حتى وصل لأحد الشوارع بمدينة ملوي الذي يقطن فيه محدودي الدخل والمليء بتجار الخضروات والفاكهة، شارع تزدحم نواصيه بالبشر لكنه ملجأ مناسب قد يجد من خلاله من يحنو عليه كعطف "أم وأب" لإبنهما من صباه وحتى الكبر.أخيرًا، استقر "أشرف" بجوار أحد بائعي الفاكهة، على عربة متوقفة جانبي الطريق على مدار اليوم، يكاد صاحبها لا تغفل عيناه ولا تنام بحثًا عن رزق يأتي من هنا ومن هناك، مكث " أشرف " ليستريح قليلًا من تعب بذله لسنوات للبحث عن ذلك المأوى الذي يراه من وجهة نظره مناسبًا للنوم والراحة.
نظرة العطف الأولي جاءت من قبل أولئك الذين يسعون لكسب رزقهم بالحلال من بيع الفاكهة والخضروات على عربة متوقفة جانبي الطريق فبدأنا من هنا نسرد قصة الطفل الرجل الذي دفع ثمن التفكك الأسري الذي طالت يداه والده ووالدته.سرد الطفل الرجل قصته للعديد والعديد من الأهالي الذين يقطنون بالمنطقة التي أقام بها، وأناس قرروا مساعدته ببعض الجنيهات التي لا تتعدي أصابع اليد الواحدة من موظفين ومارة، استمر على ذلك الحال عدة أيام وبدأ البعض يمنحه ببعض الأغطية والملابس القديمة حتي يواري فيها جسده النحيل وأتخذ من أحد الأرصفة مأوى للنوم والمعيشة ليل نهار بعد أن سرد قصة انفصال والديه وتبرء شقيقته منه.
واصل المعيشة في مكانه رغم قسوة البرد القارس، وحرارة الصيف الحارقة، وما أن جاء العيد إلا وهم رجال المنطقة لحمله إلى أحد المساجد كي يؤهلونه للاستحمام ومنحه الملابس وإن كانت قديمة بعض الشيئ إلا أنها جيدة بالنسبة له، ومن ثم يقومون بحمله ووضعه بالمأوى الذي يجلس فيه، ثم يمنحه الأهالي عدية في كل عيد يمر عليه.
ومضت السنوات ووقعت ثورة يناير عام 2011 وتركت مقار الحزب الوطني في كل مكان دون حراس ومع شدة برودة الشتاء بدأ "أشرف" يلجأ ليلا بشكل يومي للنوم وسط الركام والقمامة التي تنتشر بين أروقة ما تبقا من جدران الحزب الوطني بمدينة ملوي بجنوب المنيا تجاوره القطط والكلاب الضالة التي لا يخشاها واستمر في البقاء بالمنطقة بين بائعي الخضر والفاكهة ينام إلى جوارهم في الصيف ويختبئ من برد الشتاء داخل الحزب الوطني علي مدار 10 سنوات مضت من عمره حتى تخطى عمره الـ 33 عامًا.ويسعي "أشرف"، لتحقيق حلم حياته بمن يساعده لتوفير دراجة بخارية للمعاقين كي يتمكن من خلالها للطواف بها بشوارع المدينة لتحقيق حلم رؤية شوارع مدينة ملوي، بعد أن عجز عن التجول في رحابها أروقتها السنوات الماضية.