تشكل الزيارة المرتقبة للرئيس عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن نقطة تحول فى مسار العلاقات الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة فى كافة المجالات فى ضوء التغيرات المتلاحقة التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط واستعادة مصر لدورها المحوري بالمنطقة وادارك إدارة الرئيس دونالد ترامب لاهمية دور مصر فى تعزيز الاستقرار الاقليمى ومكافحة الارهاب والتطرف وحرص مصر على الاحتفاظ بعلاقات متوازنة مع كافة القوى الفاعلة على الساحة الدولية.
وبدا ترحيب الجانب الأمريكى بزيارة الرئيس السيسى لواشنطن واضحا من خلال إعراب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مؤخرا عن تطلعه لزيارة الرئيس السيسى للولايات المتحدة لاستكمال التنسيق والتشاور بين الجانبين بما يحقق تطلعات الشعبين الصديقين مشيدًا باللقاء الذي جمعه بالرئيس السيسى في نيويورك خلال شهر سبتمبر الماضي ومؤكدا حرصه على استمرار علاقات الصداقة الوطيدة بين مصر والولايات المتحدة. كما أعرب الرئيس ترامب أيضا عن خالص تقديره لاتصال الرئيس السيسي به عقب فوزه فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية التى جرت فى نوفمبر الماضى.
كان الرئيس عبد الفتاح السيسى قد أجرى اتصالًا هاتفيًا فى التاسع من نوفمبر الماضى بالرئيس ترامب،وأعرب له عن خالص التهنئة بانتخابه رئيسًا جديدًا للولايات المتحدة، موجها دعوة الى ترامب لزيارة مصر، ويعد الرئيس السيسى أول زعيم يوجه التهنئة للرئيس ترامب عقب فوزه فى الانتخابات الرئاسية، كما وجه الرئيس السيسى ايضا التهنئة له عقب توليه رسميا رئاسة الولايات المتحدة فى يناير الماضي.
وفى 22 ديسمبر الماضى، تلقى الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالًا هاتفيا من ترامب، تم التطرق خلاله إلى مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية، حيث أعرب الجانبان عن تطلعهما لأن تشهد المرحلة القادمة تناميًا ملحوظًا يشمل كافة جوانب العلاقات الثنائية، وتعاونًا في كافة المجالات التي تعود على شعبي البلدين بالمصلحة والمنفعة المشتركة.
فى السياق ذاته، أعرب الرئيس السيسى – خلال اتصال هاتفى تلقاه أيضا من الرئيس ترامب فى 23 يناير الماضى - عن تطلع مصر لأن تشهد العلاقات الثنائية الوثيقة بين البلدين دفعة جديدة في ظل إدارة الرئيس ترامب.
من جانبها أكدت رئاسة الجمهورية المصرية – فى بيان صدر فى 20 يناير الماضى بمناسبة تولي الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية "دونالد ترامب" مهام منصبه - أن مصر تتطلع إلى أن تشهد فترة رئاسة الرئيس ترامب انطلاقة جديدة لمسار العلاقات المصرية الأمريكية، تعود على الشعبين المصري والأمريكي بالمصلحة والمنفعة المشتركة، ويسودها التعاون والتشاور المثمر حول مختلف القضايا الإقليمية، من أجل تحقيق الاستقرار والسلام والتنمية في منطقة الشرق الأوسط المتخمة بالتحديات.
وبدأت بوادر عودة الدفء للعلاقات المصرية الأمريكية منذ أغسطس 2015، مع استئناف الحوار الاستراتيجى المصرى الأمريكى على مستوى وزيرى الخارجية لأول مرة منذ عام 2009، وأعقبه زيارات وفود الكونجرس الأمريكى لمصر.
في السياق ذاته، نوه الرئيس السيسى خلال مناسبات عديدة بأهمية العلاقات بين القاهرة وواشنطن... حيث شدد خلال لقائه مع رؤساء المنظمات الأمريكية اليهودية فى 11 فبراير الماضى على أهمية العلاقات الاستراتيجية التي تربط مصر بالولايات المتحدة منذ عقود ونجاح تلك العلاقات في اجتياز العديد من التحديات خلال السنوات القليلة الماضية بما يؤكد عمق تلك العلاقات وثباتها واستقرارها مؤكدا على أهمية مواصلة قيام الولايات المتحدة بدورها تجاه المنطقة بهدف التوصل إلى حلول للأزمات القائمة.
كما أعرب الرئيس السيسى – خلال لقائه مع وفد من مجلس أعمال الأمن القومي الأمريكى فى 11 يناير الماضى - عن تطلع مصر لتعزيز التعاون والتنسيق مع إدارة الرئيس ترامب، لاسيما في ضوء وجود تحديات مشتركة تتطلب تكثيف التعاون للتعامل معها منوها إلى أهمية زيادة الاهتمام الأمريكي بقضايا المنطقة ومؤكدا حرصه على الالتقاء بمختلف أطياف الشعب الأمريكي لاستعراض تطورات المنطقة وشرح حقيقة ما تمر به من تحديات.
في المقابل، أكد أعضاء وفد معهد الشرق الأوسط الأمريكي برئاسة ويندي تشامبرلين مديرة المعهد – خلال لقائهم بالرئيس السيسى بالقاهرة فى الثانى من فبراير الماضى - على ما تتميز به العلاقات المصرية الأمريكية من طابع استراتيجي، مؤكدين ضرورة العمل على تعزيزها وتطويرها خلال المرحلة المقبلة لتصبح شراكة حقيقية بين البلدين، فضلًا عن توثيق التشاور بين الدولتين حول التطورات الإقليمية بما يساهم في التغلب على التحديات التي تواجهها المنطقة، بما فيها خطر الإرهاب.
ومن المتوقع ان تشمل المباحثات المرتقبة بين الرئيسين السيسى وترامب- والتى تأتى عقب انعقاد القمة العربية بالعاصمة الأردنية عمان فى 29 مارس الجارى - سبل تعزيز العلاقات الثنائية فى كافة المجالات وعددا من القضايا ذات الاهتمام المشترك فى مقدمتها تطورات الأوضاع فى منطقة الشرق الاوسط، وسبل تعزيز جهود السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وجهود مكافحة الإرهاب.
من جانبه، أكد وزير الخارجية سامح شكري – الذى أجرى مباحثات فى واشنطن مؤخرا للاعداد لزيارة الرئيس السيسى الى الولايات المتحدة - أن العلاقات المصرية الأمريكية استراتيجية وتتناول الكثير من القضايا الثنائية والإقليمية والدولية بعمق وبتعاون لتحقيق مصالح البلدين.
وتنظر الإدارة الأمريكية الى مصر باعتبارها نموذجا للاعتدال ومفتاح السلام والاستقرار بمنطقة الشرق الاوسط وقارة أفريقيا وشريكا مهما فى مواجهة التحديات بتلك المنطقة وخاصة عقب استعادة مصر لدورها المحوري على الساحتين الاقليمية والدولية وحصولها على العضوية غير الدائمة فى مجلس الأمن الدولى ومساهماتها الفعالة فى تسوية الازمات الاقليمية وجهود حفظ السلام على المستوى العالمى.
ويرتكز الشق السياسي للعلاقات الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة على عدد من الأسس المهمة تتمثل فى كون مصر اكبر صوت للاعتدال والتوازن فى منطقة الشرق الاوسط، علاوة على كون القاهرة ركيزة للأمن والاستقرار فى المنطقة والدور الهم الذى لعبته – وما زالت تلعبه – مصر فى ارساء دعائم السلام فى الشرق الأوسط وأفريقيا.
وفى المجال الاقتصادى، تستهدف زيارة الرئيس السيسى الى واشنطن تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية وزيادة حجم التدفقات الاستثمارية الأمريكية فى مصر فى ضوء برنامج الاصلاحات الاقتصادية التى تنفذه مصر بالتعاون مع صندوق النقد الدولى والذى يستهدف القضاء على المشاكل الهيكلية التي عانى منها الاقتصاد المصري لعقود، فضلًا عن التعديلات التشريعية والإجرائية التي تتم حاليا من أجل توفير البيئة المواتية للاستثمار وعزم مصر على الاستمرار في تنفيذ المزيد من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق التنمية الشاملة.
وتشير الاحصائيات الى أن حجم التبادل التجارى بين مصر والولايات المتحدة بلغ خلال الفترة من يناير- نوفمبر 2016 حوالى 4555 مليون دولار، مقابل 5701 مليون دولار فى الفترة نفسها من عام 2015.
وبلغ إجمالى حجم الصادرات المصرية خلال الفترة من يناير حتى نوفمبر 2016 حوالى 1380 مليون دولار مقارنة بـ 1298 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2015. وبلغت قيمة الصادرات البترولية المصرية 235 مليون دولار فى الفترة من يناير الى فبراير 2016 مقابل 37 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2015.
كما بلغت قيمة الصادرات غير البترولية المصرية الى الولايات المتحدة خلال الفترة من يناير حتى نوفمبر 2016 نحو 1145 مليون دولار مقارنة بـ 1261 مليون دولار فى 2015.
وعلى مستوى الواردات احتلت مصر المركز 49 ضمن قائمة أكبر الدول المستوردة من الولايات المتحدة، والمركز الثانى فى القارة الافريقية بعد جنوب أفريقيا والمركز الرابع فى الدول العربية بعد الامارات والسعودية وقطر حيث بلغت قيمة الواردات المصرية خلال يناير ـ نوفمبر 2016 نحو 3175 مليون دولار مقابل 4403 مليون دولار خلال ذات الفترة بانخفاض قدره 30 فى المائة.
وفى أكتوبر الماضى، زار وفد يضم رؤساء 50 شركة أمريكية القاهرة لبحث فرص الاستثمار المتاحة بالسوق المصرية.
ومن جانبها التقت الدكتورة سحر نصر، وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى، فى 24 مارس الجارى مع مجلس الأعمال المصرى الأمريكى، بحضور ممثلين عن غرفة التجارة الأمريكية، كما عقدت اجتماعا اخرا مع المديرين التنفيذين وممثلى كبريات الشركات الأمريكية فى مصر، لبحث فرص الاستثمار المتاحة فى مصر، حيث أكدت الوزيرة على أهمية تعزيز العلاقات الاستثمارية والتنموية مع الولايات المتحدة.
وأعرب ممثلو عدد من الشركات الأمريكية العاملة فى مصر مؤخرا عزمهم زيادة استثماراتهم فى مصر فى مجالات تكنولوجيا الحاسبات، والاستثمار فى البحوث والتطوير.
وأشار ممثل شركة "ماستر كارد" إلى رغبة شركته فى زيادة التعاون مع مصر عبر المجلس القومى للمدفوعات، بينما أوضح ممثل شركة جنرال اليكتريك، أن شركته ترغب فى الاستثمار فى مجالات الطاقة المُتجددة من خلال تنفيذ مشروعات لتوليد الطاقة الشمسية والطاقة من الرياح، ولديها استعداد للمساهمة فى تطوير شبكة سكك حديد مصر.
كما بلغ عدد الشركات الأمريكية فى مصر 1203 شركات تعمل فى العديد من القطاعات الحيوية كالنفط.. حيث ضخت شركة أباتشى الامريكية حوالى 12 مليار دولار فى ذلك القطاع الحيوى بمصر.
ويتوقع محللون اقتصاديون تنامى العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر والولايات المتحدة خلال الأعوام القليلة القادمة نتيجة الاصلاحات الاقتصادية التى تنفذها مصر حاليا ومن بينها تحرير سعر الصرف، واكتشافات الغاز الأخيرة فى سواحل مصر على البحر المتوسط، واطلاق حزمة المشروعات الكبرى فى مصر والتوقعات المتعلقة بتحسن مؤشرات نمو الاقتصاد المصرى وبيئة الاستثمار خلال السنوات القليلة القادمة، علاوة على تحسن التصنيف الائتماني لمصر وزيادة اندماجها فى الاقتصاد العالمى،والزيارات المتتالية لرؤساء وممثلى الشركات الامريكية الى مصر. مشددين على انها لن تتاثر سلبا بالاجراءات الاقتصادية التى يعتزم ترامب اتخاذها ضد عدد من القوى الاقتصادية الكبرى.
وفى مجال التعاون الأمنى، تستهدف زيارة الرئيس السيسى الى واشنطن تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة فى مجال مكافحة الارهاب الذى يهدد الاستقرار العالمى.
وفى ذلك الصدد أكد الرئيس السيسى خلال مناسبات عديدة أن مصر عازمة على مواصلة جهودها لمكافحة الإرهاب والتطرف واجتثاثه من جذوره، مشددا على أن تحقيق السلام في الشرق الأوسط سيقضي على أحد أهم الذرائع التي تستند إليها التنظيمات الإرهابية لتبرير أفعالها، ومؤكدًا أهمية تعزيز التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب والقضاء على مصادر تمويل وتسليح التنظيمات الإرهابية، فضلًا عن التعاون للحيلولة دون استخدام الإرهابيين للإنترنت وأدوات التواصل الاجتماعي لنشر أفكارهم وجذب عناصر جديدة وتحديث الخطاب الدينى.
وأكدت مصر فى المحافل الاقليمية والدولية أن مواجهة الإرهاب يجب ألا تقتصر على الجانب العسكري والأمني فحسب، ولكن تمتد لتشمل الأبعاد التنموية، والثقافية بما تتضمنه من تجديد الخطاب الديني والارتقاء بجودة التعليم.
وقد أبدي الرئيس دونالد ترامب مؤخرا تقديره لما تحملته مصر من صعاب خلال حربها ضد الإرهاب، مؤكدًا حرص إدارته على تقديم الدعم والمساندة اللازمة لمصر في جميع المجالات.
وفى المجال الدفاعى، ستسهم زيارة الرئيس السيسى الى واشنطن فى تعزيز التعاون الدفاعي بين البلدين لمواجهة التحديات الحالية.
وجسدت زيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال جوزيف فوتيل الى القاهرة فى 26 فبراير الماضى ولقاؤه مع الرئيس السيسى حرص الولايات المتحدة على تعزيز التعاون الدفاعى مع مصر.
وفى ذلك الصدد أكد قائد القيادة المركزية الامريكية رغبة بلاده فى تعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع مصر، لاسيما في مجال مكافحة الإرهاب، خاصة وأن مصر تعد أحد أهم شركاء الولايات المتحدة في المنطقة مشددا على أن مهمة القيادة المركزية الأمريكية هي التعاون مع الحلفاء والشركاء لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمى.
ويغطى التعاون الدفاعى بين البلدين أيضا مجال التدريبات.. ففى مارس 2016، انطلقت فعاليات التدريب البحري المشترك "تحية النسر2016" بمشاركة عناصر من القوات البحرية المصرية والأمريكية والإماراتية، واستمرت لعدة أيام بنطاق المياه الإقليمية بالبحر الأحمر.
وتؤكد المؤشرات أن القمة المصرية الأمريكية القادمة سوف تعزز المشاركة الاستراتيجية بين البلدين فى كافة المجالات استنادا الى المصالح المشتركة والمتغيرات الإقليمية والدولية والدور المحوري لمصر في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.