القضاة يٌُصعدون ضد مجلس النواب.. قانون الهيئات يُحدث جراحًا داخل محراب العدالة.. واتهامات للبرلمان بضلال الطريق

صورة تعبيرية

يواصل نادى قضاة مجلس الدولة، التصعيد فى مواجهة مجلس النواب الذى وافق على مشروع قانون السلطة القضائية، المرفوض من قبل جميع الهيئات القضائية.

مجلس الدولة اعتبر أن الأزمة مفتعلة، وأن ما قام به مجلس النواب من تعديلات لا تصلح على الإطلاق، وأن اختيار رؤساء الهيئات القضائية شأن ثابت بكل الأعراف والتقاليد الداخلية، فضلاَ على أن سن التقاعد بالمعاش منصوص عليه بقانون السلطة القضائية، وأن مقترح تخفيض السن لـ ٦٠ عاما مرفوض تمامًا، لأن القضاة هم من يشكلون قانونهم الذى يمثلهم ويتعاملون به.

من جانبه أكد المستشار عبدالله ناصف نائب رئيس مجلس الدولة، وعضو المجلس الخاص، أن ذلك المشروع هو بمثابة تعدى على القضاة وشأنهم الداخلى.

وأضاف أن مجلس النواب تدخل فى اختصاصات غيره وبدل من أن يتولى القيام بمهام عمله الأساسى اقحم نفسه فى اختصاص أصيل للقضاة، مشيرًا إلى أن القانون المعد بمعرفة النواب مرفوض، ولن نقبله لأن فى الأساس مساس بالدستور الذى أقر بأن من يضع القانون هم القضاة أنفسهم

وأعتبر المستشار حسن البدراوى نائب رئيس مجلس الدولة أن مجلس النواب ضل الطريق من خلال إقحام نفسه فى معركة خاسرة، وترك مهمته الأساسية فى الدفاع عن الشعب الذى اختاره ليمثله ويخفف عن همومة وينقل مشاكله الى السلطة التنفيذية لحلها.

وأضاف أننا لن نقبل ذلك المشروع، وأننا سنواجه تلك التعديلات العقيمة التى لا تنفع ولا تضر، سوى أنها تمثل أزمة فى طريق الاصلاح والتقدم، موضحًا، أن مقترح اختيار الهيئات القضائية، أو التصديق على الاختيار، هو أمر لا يقدم شيئا، أو يمثل إنجازًا لأنه الهيئات القضائية أولى بأختيار من يرأسها. 

واعتبر رؤساء نوادى قضاة مجلس الدولة، أن مشروع قانون تعديل طريقة اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية، تدخل سافر فى أعمال السلطة القضائية، معربين عن أملهم فى تدخل الرئيس لوأد ذلك المشروع المتعدى على القضاة من خلال تعيين رؤساء الهيئات وسن المعاش.

وقال القضاة خلال اجتماعهم اليوم إن من أسمى مهام الدولة القانونية الحديثة بث الطمأنينة فى نفوس المواطنين وتأمينهم على حرياتهم وحقوقهم، ولا سبيل إلى ذلك إلًا بالاحتكام إلى سيادة القانون، وإعلاء مبدأ المشروعية ورفع لواء الحق والانصاف الذى تجسده عصمة منصة القضاء حين تندثر بمقومات وضمانات استقلال القضاء وما يكفل الحياد والتجرد والموضوعية. 

وتابعوا أنه إذا اعتل القضاء فى أمة من الأمم بأن نفذت إليه يد العبث، فأقتحمت محرابه أو نالت من مقوماته أو مست ضماناته شاعت الفوضى، وفشت المظالم وعم الفساد وافتئت على حقوق الأفراد وحرياتهم، وانقلبت قوة الأمة إلى ضعف وغناها إلى فقر وتقدمها إلى ردة وانتكاس. 

ولا مشاحة فى أن من المسلمات التى باتت جزءًا من ضمير الأمة ومرجعيتها الدستورية الممتدة والتى ترسخت فى مجتمعنا عبر عشرات السنين أن القضاء ولاية بل من أعظم الولايات وأجلها قدرَا وأرفعها شأنًا وأعظمها خطر وأثرًا، ومن ثم فهو فى صميم مهامه وعمله ليس وظيفة أو مرفق وأبدًا لن يكون، لذا فإن ضمانات حياده وتجرده واستقلاله هى فى الأصل ضمانات للمواطنين يزود عنها الشعب بكل فئاته وأفراده بل يفترض أن يكافح دونها الحاكم والمحكوم.

وأوضحوا أن هذا الإطار اجتمع اليوم مجلس إدارة نادي قضاة مجلس الدولة مع مجالس إدارات أندية المحافظات للتدارس والتشاور حول نصوص مشروع القانون الخاص بتعديل طريقة اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية والذي اقترحه مجلس النواب الأسبوع الماضي وأرسله إلى قسم التشريع بمجلس الدولة للمراجعة والذي تضمن تغيير طريقة الاختيار لرئيس كل جهة وهيئة قضائية لتجعل القول الفصل والنهائي في الاختيار لرئيس الجمهورية بدلاَ ما كان العمل عليه سابقًا من كون الإختيار للمجلس الأعلى لكل هيئة قضائية وللجمعية العمومية الخاصة لمستشاري مجلس الدولة بترشيح أقدم الأعضاء ويكون دور رئيس الجمهورية التصديق على هذا الاختيار بحسبان كل جهة وهيئة قضائية أعلم بشئونها وأقدر على اختيار رئيسها وبما يكفل صون القضاء واستقلاله واحترام الأعراف والتقاليد القضائية الراسخة ويحافظ علي مبدأ الفصل بين السلطات، وما عقب ذلك من تحول الأمر من مجرد تقديم مشروع قانون من السلطة التشريعية يفترض أن تتغيا به السلطة التشريعية التجرد والعمومية إلى صراع محتدم بين السلطتين التشريعية والقضائية وحاولت الأولى أن تقدم مبررات لمشروعها مثيرة الجدل. 

واتفقوا خلال اجتماعهم على أن هذا المشروع يحمل فى طياته الأسباب الموجبة لطرحة ورفض ما تضمنه لكونه: يفتقد إلى أى مقصد أو غاية واجبة أو حكمة حقيقية يراد تحصيلها إذ لا يجلب نفعًا ولا يدفع ضررًا ولا يعالج مشكلة ولا يتوخى هدفًا مشروعًا، بل العكس هو الصحيح يبدد طاقات الأمة ويدفعها لخلافات ومشاحنات جانبية ومنازعات وهمية تحبط جهودها وتعرقل مسيرتها فتنقلب قوتها إلى ضعف وغناها إلى فقر وتقدمها ومكانتها إلى ردة وتخلف، فى وقت هى أحوج ما تكون فيه لأن تستجمع قوتها وتوحد جهودها نحو النهوض والانطلاق، ويغرس بذور الخلاف والشقاق والتحزب والصراعات بين أعضاء الجهة القضائية الواحدة ويصرفهم عن التركيز فى صميم العدالة ومقتضياتها إلى أمور تخرج عن هذا النطاق فترميهم بالوهن وتصيب العدالة فى مقتل. 

وأضح القضاة فى بيانهم أن المشروع ينطوى على تغول صارخ ومساس واضح باستقلال السلطة القضائية، المقرر دستورًا بموجب المادة 94 من الدستور فضلًا عن كونه فى ذات الوقت يجسد خرقا شديدا واهدارا جسيما لمبدأ الفصل بين السلطات.

واعتبروا القضاة أن هذا المشروع تدخلًا سافرًا فى شئون العدالة وتحديًا لما قرره الدستور الذى عهد لكل جهة قضائية بتولى إدارة شئونها وليس فى ذلك سلبًا لأى اختصاص مناط بالسلطة التشريعية وحقها الأصيل فى التشريع إلًا أن هذا الحق ليس طليقًا من كل قيد بل من المسلمات أنه مقيد باحترام الثوابت والمبادئ الدستورية التى ترسم لكل جهة حدودها، والمشروع محل البيان لا يتحكم فى اختيار منصب تنفيذي أو إدارى إنما يتحكم بالدرجة الأولى فى اختيار رئيس أهم دوائر محكمة النقض وأيضًا رئيس الدائرة الأولى فى المحكمة الادارية العليا التى تختص بأهم قضايا الحقوق والحريات، وأنه يفتح الباب على مصراعيه لتدخل الهوى والغرض فى الاختيار لانعدام أسس الترجيح الموضوعية بين من تلزم الجهة القضائية بترشيحهم وفقًا للمقترح في هذا المشروع.

وأوصى الحاضرون برفض مشروع القانون المقدم لتغيير طريقة اختيار وتعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية للأسباب سالفة البيان، وإعداد مذكرة قانونية باسباب عوار مشروع القانون المشار إليه ترسل إلى جهات الدولة المختلفة وعلى رأسها رئيس الجمهورية ومجلس النواب، ودعم اجتماع الجمعية العمومية لمستشاري مجلس الدولة المقرر عقده يوم الاثنين القادم الموافق ٣٤٢٠١٧ في كافة الخيارات التي تقررها في هذا الشأن.

كما أوصى أندية قضاة مجلس الدولة، في المحافظات والنادي الرئيسي بالقاهرة في حالة انعقاد دائم ومستمر لمتابعة الأمر وتطوراته لاتخاذ ما يلزم من قرارات في ضوء المستجدات التي تسفر عنها الأحداث مع التأكيد على أن كافة الخيارات مطروحة.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً