القاتل لا يولد قاتلًا، وكذلك الإرهابي لا يرضع القسوة من نهد أمه، بل يكتسب كل ذلك من الأفكار التي يتلقاها في مراحل عمره المختلفة، فتصنع منه عالمًا أو إمامًا أو تخلق منه إرهابيًا قاتلًا سافكًا للدماء، وخلف كل ذلك تقف جهات مجهولة وأخرى معلومة، تخصصت في "صناعة الإرهابي"، باستخدام عدة طرق، أبرزها الدعوة في المساجد، وحلقات الفكر والمناقشة وغسل العقول التي تتم في بعض المساجد التي تسيطر عليها تنظيمات دموية، ومن خلال الكشف عن منفذى عدد من الهجمات الأخيرة على الكنائس والأكمنة، تبين أن معظمهم شاركوا في حلقات أو مناقشات في مساجد بعينها، استقوا منها أفكارهم الهدامة.. في العرض التالي نرصد أهم تلك المساجد في محافظات مصر.
- حكاية زاوية بغدادي في الحجيري
انتشرت عديد من الزوايا غير المرخصة من وزارة الأوقاف، والتى تتم بداخلها الصلاة لعدد من المتشددين والمتطرفين دينيًا في العديد من محافظات الصعيد المختلفة، إلا أن محافظة قنا، عقب ظهور خلية إرهابية متورطة في تفجير كنيستي مار جرجس بالغربية، والمرقسية بالإسكندرية، ظهرت بها زاويتان لعدد من المتهمين بالتورط في التفجيرات الإرهابية.
هنا في قرية نجع الحجيري، التابعة لمركز قفط، جنوب محافظة قنا، والتى تبعد عن مركز قنا قرابة 25 كيلومتراً، أسس حامد عويضة، وممدوح بغدادي، المتهمان بالتورط في التفجيرات الإرهابية بكنيستي مار جرجس والمرقسية، زاوية لإقامة الصلاة بسبب رفضهما الصلاة خلف أئمة مساجد وزارة الأوقاف داخل القرية.
المتهمان أسسا الزاوية داخل منزل أحدهما، وقاما بدعوة العديد من أصحاب الأفكار المتشددة للصلاة خلفهما في تلك الزاوية، بسبب رفضهما الصلاة في مساجد وزارة الأوقاف، ورفضهما أيضًا تشغيل القرآن الكريم في مكبرات الصوت، فضلًا عن قيامهما بتكفير أئمة مساجد الأوقاف.
وبحسب أهالى قرية الحجيري، موقع ولادة وإقامة المتهمين بالأعمال الإرهابية وتفجيرات الكنائس، فإن بداية المتهمين في إنشاء الزاوية كانت منذ قرابة عام ونصف العام، واستمرت صلواتهما بداخلها دون أي تراخيص من وزارة الأوقاف، أو تراخيص من الأجهزة الأمنية، أو مراقبة من أئمة المساجد والمعنيين في مديرية الأوقاف بمحافظة قنا.
وأضاف الأهالى في القرية أن المتهمين رفضا أن يتم الصلاة علي النبي، صلي الله عليه وسلم، بعد الصلاة في المسجد، أو إقامة أي حلقات ذكر داخل الزاوية، بدعوى أن هذا فكر الصوفية، وعثر بتلك الزاوية على مكتبة تضم سلسلة كتب تفاسير القرآن، منها "في ظلال القرأن" لسيد قطب، و"في التفكير لأداء السنة"، وكتب تدعو إلي هجر المجتمع حيث يعيش في الجاهلية، ومجموعة كتب "سلاسل المنهجية في الخطب السرية".
ــــ زاوية عباس .. أغلقت منذ عام
أما في قرية الأشراف، التابعة لمركز قنا، أقام المتهم عمرو عباس، المتورط في تفجيرات كنيستي مار جرجس والمرقسية، بحسب بيان وزارة الداخلية، زاوية للصلاة في منطقة جبلية داخل قريته، لنشر الأفكار المتشددة والمتطرفة، إلا أنه تمت متابعتها من قبل الأوقاف التي تمكنت من إغلاقها منذ أكثر من عام تقريبًا.
من جانبه قال الشيخ محمود قناوي، وكيل مديرية الأوقاف بقنا، إن المديرية أرسلت العديد من القوافل التوعوية التي تدعو لمحاربة الفكر المتطرف في قري الأشراف، وهي القناوية، والشيخ عيسي، والمخادمة، والشويخات.
ـــــ مساجد "داعش" بالإسكندرية برعاية "الأوقاف"
تسعي قيادات الدعوة السلفية بمحافظة الإسكندرية للسيطرة علي مساجد بعينها بالمحافظة، وذلك بمساعدة عدد من مديري الإدارات بمديرية الأوقاف بالإسكندرية، ممن لهم انتماءات سياسية، وولاء لشيوخ الدعوة السلفية.
وتحولت بعض المناطق بالمدينة إلي مستعمرة سلفية، يسيطر عليها أصحاب الفكر المتشدد والفتاوى المتطرفة، مثل منطقة العامرية، وغيرها من المناطق التي يسكنها الفلاحون والعاملون وغير المتعلمين.
وتأتي دائرة المنتزه الأبرز من حيث سيطرة السلفيين علي المساجد، إذ يوجد فيها عدد من رموز الدعوة السلفية، أبرزهم الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، حيث يسيطر السلفيون على مساجد "الخلفاء الراشدون" بأبوسليمان، و"الإيمان"، و"الحمد"، و"خورشيد"، و"التوحيد"، و"المراغي"، و"الصالحين"، و"عبادالرحمن"، و"الرحيق المختوم" في العصافرة، و"أبوبكر الصديق" في المعمورة، فضلًا عن العديد من الزوايا، وجميعها تقع في دائرة المنتزه.
وفي دائرة مينا البصل، يسيطر السلفيون على مساجد "المأوى"، و"المتراس"، و"البخارى"، و"الكوثر"، وفي دائرة محرم بك يفرض السلفيون نفوذهم على مسجد "أبوهريرة"، وفى دائرة العجمى يحكم السلفية قبضتهم على مسجد "خيرالله" في الهانوفيل، و"رياض الصالحين" في شارع الجمعية، وكذلك مسجد "التوحيد" في العامرية يسيطر عليه أنصار شريف الهواري، عضو مجلس إدارة جمعية الدعاة والقيادي السلفي المعروف.
وفي سموحة يسيطر السلفيون علي مسجد "الفتح الإسلامى"، وهو من أشهر المساجد التى تعتبر معقلاً للسلفيين ولدعواتهم، كما يوجد مسجد "أبوحنيفة"، وهو يشتهر بخطب السلفيين النارية المعارضة، وفي الدخيلة يبسط أنصار سعيد الروبى أيديهم على مسجد "النعمة"، ومسجد "ناجي" على طريق الدخيلة، أما فى كرموز فيتولى أنصار الدعوة السلفية إدارة مسجد "التوحيد" على طريق قنال المحمودية، ومسجد "المصري" بشارع إيزيس.
وكشف مصدر بمديرية الأوقاف بالإسكندرية عن تقدم نحو 322 شخصًا، للحصول على تصاريح الخطابة من المديرية، بينهم 212 شخصًا من عناصر الدعوة السلفية.
وقال المصدر إن المتقدمين من بينهم أقارب السلفي عبدالمنعم الشحات، المتحدث الرسمى باسم الدعوة السلفية، و3 من أقارب النائب السلفي أحمد خليل خيرالله، و5 من أقارب النائب أحمد الشريف، بالإضافة إلى 2 من أقارب عبدالله بدران، أمين حزب النور في الإسكندرية، أما المتبقون فمنهم المنتمون والمتعاطفون مع الدعوة السلفية، مشيرًا إلى أنهم قادمون من مناطق إيتاي البارود، وأبوحمص، والعامرية، والنهضة، والمعمورة البلد، وأبيس.
وأكد الشيخ جابر قاسم، وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية بالإسكندرية، أنه يوجد بالإسكندرية ما يتجاوز 4000 مسجد وزاوية، وأن عدد الأئمة بمديرية الأوقاف لا يتجاوز 600 إمام فقط، ما يعطي الفرصة لسيطرة السلفيين أصحاب الفكر الوهابي المتطرف والإرهابي علي بقية المساجد والزوايا، مؤكدًا أن الفكر المتطرف الإرهابي موجود ومتأصل داخل المجتمع، ولابد من محاربته، فأصحابه لم يتخرجوا من الأزهر الشريف، ولم يتعلموا الوسطية.
كما أشارإلي أنه كلما كانت هناك مساجد فارغة من أئمة الأزهر، كان هناك سلفيون وفكر متطرف، وهم الآن عبارة عن كُتل، مشيرًا إلي أن من قاموا بالأعمال الإرهابية التي شهدتها البلاد مؤخرًا لم يكونوا من "داعش"، إنما من هذا الفكر الوهابي المتطرف الذي يكفر المجتمع ويكفر الدولة، مؤكدًا أن الفكر السلفي والفكر الإخواني وجهان لعملة واحدة، وهما مسؤولان عما يحدث من أعمال إرهابية.
ــــ منابر السلفية والإخوان تحرض على القتل والتطرف.. و"الأوقاف" في الإنعاش
قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إنه لا يمكن القول بأن أحد أئمة الأوقاف يدعو للتطرف على منبره، وكذلك إذا كان واعظًا بالأزهر، لكنّ الكثيرين من شيوخ السلفية والإخوان يدعون إلى أفكار متطرفة.
وأضاف "كريمة": "للأسف بعض مشايخ السلفية والإخوان لديهم تصاريح رسمية من الأوقاف، ويمارسون دورًا دعويًا، وهناك مساجد يسيطرون عليها باعترافاتهم، خاصةً في الإسكندرية والقاهرة والمنصورة، ولكن المساجد التي يقوم عليها خريجو الأزهر، وتابعة للأوقاف، فكلها تدعو إلى الوسطية والاعتدال وصحيح الإسلام".
وأوضح أن هؤلاء المشايخ الذين يدعون إلى أفكار متطرفة ليسوا كثيرين، لكنهم يتلقون دعمًا ماليًا هائلًا من بعض دول الخليج، ما جعل لهم قاعدة جماهيرية، وجعلهم يحتلون منابر بعض المساجد.
وتابع: "للأسف بعض مفتشي الأوقاف يغضون الطرف عن هؤلاء الأئمة"، مطالبًا قيادات الوزارة بتوضيح سر ذلك، مضيفًا: "أنا مستغرب جدًا من سياسة الوزارة مع السلفيين، وغيرهم من الذين يحملون فكرًا متشددًا، حيث أنها مبهمة وغامضة للغاية".
من جانبه؛ قال الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن ظاهرة هذه المساجد التي يحمل أئمتها أفكارًا متطرفة، قلة بفضل الخطبة الموحدة عما كانت عليه، داعيًا الأوقاف إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات للقضاء على أئمة التشدد.
وأضاف "الجندي":"هناك بقية من هذه المساجد لم يتم التعامل معها إلى الآن، خاصةً تلك التي يسيطر عليها أئمة محسوبون على التيار السلفي المتشدد، ونرجو أن يتم إبعادهم قريبًا، واستبدال آخرين بهم يحملون فكرًا وسطيًا".
فيما أكد مصدر رفيع المستوى بوزارة الأوقاف، شدّد على عدم ذكر اسمه، أن المساجد التي تدعو إلى أفكار داعشية متطرفة موجودة بكثرة وبقوة، مؤكدًا أن هؤلاء الأئمة بدأوا يتسللون بشدة أكثر مما كانوا عليه، مضيفًا أن من بين تلك المساجد ما يتبع وزارة الأوقاف، وهي أعداد لا يُستهان بها، بل أنها كثيرة للغاية.
نقلا عن العدد الورقي .