الكوارع من أهم وأشهر الأكلات الشعبية في مصر، وحين يتردد اسم الكوارع ترسم فى ذهنك فورًا صورة للأحياء الشعبية المصرية والمسامط الشهيرة فيها وترى هذا الطبق المميز إلى جوار طبق آخر من الفتة لتكتمل صورة واحدة من أشهر الأكلات الشعبية المصرية، التى يصعب عليك أن تتخيلها فى مكان آخر غير مصر. إلا أن الحقيقة هى أن هذه الأكلة كانت فى الأساس أكلة تركية، وارتبطت بشكل خاص بموائد الولائم السلطانية فى العصر العثمانى، ومن هناك انتقلت إلى بلاد أخرى كمصر والشام حيث عرفت فى مصر باسم الكوارع وفى الشام ودول الخليج باسم المقادم وفى العراق تعرف باسم الباجة.
وفى مخطوطة "كتاب الطبيخ" الذى ألفه "محمد بن الحسن بن محمد الكاتب البغدادى" الذى يرجع تاريخه إلى العام 1226 وأعاد نشره "فخرى البارودى" عام 1964 وردت وصفة الكوارع من المطبخ العثمانى، حيث كان يطلق عليها اسم "أكارع" وجاء فى الوصفة "الأكارع تتخذ من حمل حولى، فتغسل نظيفًا وتجعل فى القدر وعليها من الماء ما يغمرها ثلاث دفعات. ويترك عليها كف حمص مقشورًا وملح بقدر الحاجة، ومصطكى وكسفرة يابسة وكمون مدقوقة ناعمًا وقطع دار صينى. وتجعل القدر فى التنور من أول الليل إلى بكرة مغطاة الرأس ثم ترفع وتستعمل".
وكانت الكوارع تعرف فى عهد العثمانيين بأنها "أكلة السلطان" وكانت تتصدر ولائم السلاطين الفاخرة، وخلال حكم العثمانيين لمصر انتقلت الكوارع مع العديد من الأكلات الأخرى للمطبخ المصرى ولكنها كانت فى البداية أكلة يجدها الفقراء بديلاً للحوم لقلة سعرها مقارنة باللحوم.
وكانت الميزة الأهم للكوارع هى أنها تعين على تحمل الليالى الباردة، فنتيجة حاجتها للكثير من الوقت للطهى على الموقد كانت تدفئ البيت أثناء إعدادها، ثم تدفئ الجسم بعد تناولها وتبث فى أوصاله الطاقة. ومن هنا اكتسبت الكوارع شعبيتها الواسعة حيث كان ينصح الشباب المقبلين على الزواج بتناولها لمدهم بالطاقة وشيئًا فشيء اشتهرت الكوارع بأنها تزيد من القدرة الجنسية للرجل وعبرت عن ذلك العديد من المقولات الشعبية مثل "الكوارع بتخلى الركب حديد" و"الكوارع بترم العظم" حيث تداول المصريون فائدة أخرى شهيرة للكوارع وهى أنها مفيدة للعظام والنخاع تحديدًا وتساعد فى علاج خشونة الركبة.
وانتشرت الكوارع على مدار السنوات لتصل إلى موائد الأثرياء وفى السنوات الأخيرة بدأت المحلات تروج لأطباق الكوارع من هذا المنطلق حتى أنهم أطلقوا عليها اسم "فياجرا الشعب" لأن أسعارها فى متناول الجميع؛ وعلى الرغم من تحذير الأطباء من خطأ هذا الاعتقاد الشائع وأنها على العكس قد تسبب العجز الجنسى بسبب زيادة نسبة الدهون فيها إلا أن هذا لم يؤثر أبدًا على لقبها بأنها "فياجرا الشعب".