الرئيس الفرنسي الشاب إيمانويل ماكرون لم يعبر عن نفسه، وبلاده، عندما أكد في مقابلة صحافية نشرتها ثماني صحف أوروبية أول أمس "أن رحيل الرئيس السوري بشار الأسد لم يعد أولوية بالنسبة إليه، لأن هدف فرنسا الرئيسي هو محاربة التنظيمات الإرهابية التي تتدرب على تنفيذ هجمات دموية في أوروبا".
الرئيس ماكرون الذي يترأس بلداً كانت من أكثر الدولة الأوروبية متخذة علي عاتقها أزمة الملف السوري، وتتزعم التيار المطالب بإسقاط الرئيس بشار الأسد ونظامه، أصبح يدرك ان الأولويات الأوروبية والعالمية تغيرت في سورية، وان بقاء الدولة متماسكة فيها هو الخيار الأمثل لمحاربة الارهاب.
و قالت صحيفة ذا تايمز أن هذه التصريحات كانت صادمة للمعارضة السورية بشقيها المسلح والسياسي في، وهي المعارضة التي كانت تعتبر فرنسا سنداً لها في حربها لاسقاط النظام، وتتخذ من باريس مقرا لنسبة كثيرة من أنشطتها السياسية والإعلامية.
نقطة التحول الرئيسية التي تقف خلف هذا "الانقلاب" في موقف الرئاسة الفرنسية، تتمثل في الهجمات الارهابية التي اكاثرت واستهدفت عدة عواصم أوروبية، كان للعاصمة الفرنسية منها النصيب الأكبر، وهذا ما يفسر تشديد الرئيس ماكرون على أن الأولوية أصبحت في الحفاظ على تماسك النظام السوري، والتركيز على محاربة الجماعات الإرهابية المتشددة، ومنع وصول إرهابييها إلى الشوارع والمؤسسات الغربية.
الرئيس ماكرون كان مصيبًا، في رأي الكثيرين في أوروبا والغرب عمومًا، عندما طالب بخريطة طريق دبلوماسية جديدة "تحقق السلام وتنهي الحرب الاهلية"، مع الحفاظ على الاستقرار في سورية، والحل دون تحولها إلى دولة مفككة مثلما حدث في دول عديدة مثل ليبيا واليمن.
الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها، واعترف بها الرئيس ماكرون في هذا الحديث، انه لا توجد، وبعد ست سنوات من الازمة السورية، مشاريع حكم بديلة للنظام السوري، الذي حافظ على تماسكه، واستطاع الجيش السوري ان يصمد في المعارك، ويحافظ على الدولة ومؤسساتها، بينما انهارت معظم مظلات المعارضة السياسية بسبب الخلافات والتدخلات الإقليمية والدولية.
الرئيس ماكرون الذي يمثل الدماء القيادية الشابة في أوروبا، كان من اكثر الصقور شراسة في الإصرار على إطاحة الرئيس السوري، واكد في اكثر من مناسبة اثناء حملته الانتخابية على هذا الهدف، ولكن الحديث في الحملات الانتخابية شيء، والحديث من قصر الاليزيه شيء آخر، لان الأول غير ملزم، وهدفه أقتناص الأصوات، واكثر عدد ممكن منها، اما الثاني فيضع في حسابات صاحبه مصالح فرنسا واستقرارها وامن مواطنيها.
و بحديثه هذا يقف في خندق واحد مع الجانب الروسي المؤيد لحكم بشار الأسد و يعادي أمريكا التي تريد قنص الفرصة لسحب البساط من تحت قدمي روسيا في سوريا.