عادت ظاهرة زواج القاصرات المعروفة إعلاميًا بـ"زواج الأطفال" لتلقي بظلالها على قرى محافظة بني سويف، خاصة في توابع القرى بالعزب والنجوع، التي تستند على عادات وتقاليد قديمه تدفعهم للإسراع بزواج الفتاة، سواء كانت الطريقة مشروعة أو غير مشروعة ولكن الدافع المسمى بـ"الستر" أو الخوف من "العنوسة" دائمًا ما يكون سببًا في هذه الزيجة التي عادة ما تنتهي بفشلها، أو بمشكلة اجتماعية أو قانونية على أقل تقدير.
الطريقة التي يتم بها زواج الفتاة القاصر، هى جريمة في عُرف القانون ووزرًا في الشريعة الإسلامية، ولكي تكتمل هذه الجريمة التي يرتكبها أولًا المأذون ثم والد العروس أو ولي أمرها ومن بعدهما يأتي العريس أو طالب الزواج، لتكتمل المافيا التي يجمع حلقاتها من يوفق الرأسين في الحلال ليقوم بدور الـ"سمسار" فهو بمثابة حلقات الوصل بين عناصر الجريمة.
يقول كمال عبدالمعز إبراهيم، مدير مدرسة، أن ظاهرة زواج القاصرات التي تنتشر في قرى مراكز محافظة بني سويف، سببها الأفكار والعادات المترسخة في أذهان المجتمع الريفي والتي لا تتأثر بالمستوى الاجتماعي أو المادي أو التعليمي، فالغالبية العظمى تتعامل مع البنت كأنها "مصيبة" ستجلب له المشاكل والعار في أي وقت، فيسعى للخلاص من هذه الـ"مصيبة" مبكرًا، فمنذ بلوغها الثانية عشر يبدأ الأب التفكير في زواجها، ومع العريس الأول تجده يُقدم له فلذة كبده وكأنها «عبئًا» يسعى للخلاص منه، فيُعجل في إنهاء الزيجة وهو يردد كلمات "خير البر عاجله" فيلجأ لمافيا زواج الصغيرات ويتكبد مع العريس مبلغًا لا يقل عن 5 آلاف جنيهًا، ليتم الزواج مأذونًا مجهول الهوية لا يعرفه إلا "السمسار" يقوم بتحرير وثيقة وهمية لا تسجل في المحكمة إلا ببلوغ العروسين السن القانونية المحدده بـ18 عامًا.
فيما أكدت نرمين محمود عبدالعظيم، مقرر فرع المجلس القومي للمرأة ببني سويف، أن فرع المجلس تلقى تقريرًا من جهة قضائية كشف عن إحصائية لزواج القاصرات في بنى سويف، والذي تم التصادق عليه قانونيًا في الفترة من أول يناير حتى أكتوبر من العام الماضي، على مدار تسعة أشهر، في مراكز المحافظة، وأن عدد الأسر التي شاركت في توثيق زواج القاصرات أو الزواج المبكر بلغ 1979 حالة، حصلت على عقد تصادق على مستوى المحافظة من محكمة الأسرة.
وأكدت "عبدالعظيم"، أن حالات زواج القاصرات التي تتردد على المجلس عديدة، ولكن يأتي أغلبها بعد أن يتم الزواج وتصل المشاكل بين الزوجين إلى رغبتهما في الانفصال، وهو ما يتوقف لحين توثيق عقد الزواج أولًا، مضيفًا أن المشكلة تكمن في الإجراءات الإدارية لتسجيل الزواج أو إنعدام الدور الرقابي على المأذونين الشرعيين، ممن يخالفوا الشرع والقانون ويسجلون مثل هذه الزيجات التي لا تحفظ للزوجة أي حقوق في حالة غدر الزوج أو وفاته.
وطالبت مقرر فرع المجلس القومي للمرأة ببني سويف، بضرورة تشديد عقوبة المأذون المتهم بارتكاب هذه الجريمة وأن يَطول القانون الأب والأم اللذان يفرطان في كرامة وعرض بناتهما، بما يردعهما عن إتيان هذا العمل المشين، وأن يشدد القانون على توقيع العقوبة على كل الأطراف المتورطين في هذا السلوك الذي يرفضه الدين، لافتتًة إلى أن البنت في هذه الآونة تحتاج إلى قدر من العلم والثقافة والنضج لتحمل مسئولية الأمومة والحياة الزوجية، أما الرغبة في التخلص من البنات بالزواج المبكر فتخرج ولي الأمر من المسئولية التي كلفه الله بها.
وقالت الدكتور منى مسعود، طبيبة نساء وتوليد، أن زواج القاصرات يمثل منتهى الخطورة على البنت فى المعاشرة والحمل، حيث أن جسم الفتاة لم يكتمل، وأن أعلى نسبة في وفيات أمهات في سن الإنجاب في حالات الزواج المبكر، مشيرةً إلى أنه هناك أمراض مصاحبة لحمل صغيرات السن منها، فقر الدم، الإجهاض، وزيادة العمليات القيصرية نتيجة تعثر الولادات في العمر المبكر، مطالبًة بضرورة الالتزام بجميع القوانين الدولية التي اكتسبتها المرأة في الأعوام الأخيرة لحمايتها من مثل هذه الانتهاكات، مشيرًى إلى أن الزواج يعتبر عنفًا مباشرًا ضد المرأة ويجب التصدي لها، مطالبة بتشريع يلزم مكاتب الصحة بطلب قسيمة الزواج عند تسجيل المواليد، لأنه يتم حاليًا تسجيل المواليد ببطاقات الرقم القومي وهو ما يساعد على انتشار الظاهرة.
في ذات السياق، يقول الداعية الإسلامي، الشيخ سيد محمود زايد، إمام وخطيب مسجد الديري، إن مثل هذا النوع من الزواج هو جريمة بيع طفلة ومهاترات ونكاح فاسد ودعارة مقنعة، وكذلك بالنسبة للشهود، لقوله تعالى "وأشهدوا ذوي عدل منكم"، فالجريمة يتورط فيها الأب والزوج والشهود والمأذون.