كانت ولا زالت السينما متنفس لكثير من الأفكار والأحلام التي يبدو تحقيقها على أرض الواقع صعب المنال، ونجح بعض صنّاعها في استشراف المستقبل، بصورة قد تتطابق مع ما سيحدث على أرض الواقع في كثير من الأحيان. وفي الذكرى الـ65 لثورة 23 يوليو 1952، نتذكر "لاشين" الفيلم الذي صنفه النقاد على أنه أول عمل سينمائي تنبأ بثورة "الضباط الأحرار".
أثار الفيلم غضب القصر الملكي، وقوبل بالمنع بسبب نهايته، وحتى يضمن صنّاعه خروجه إلى النور تم تغيير النهاية لتتناسب مع الصورة التي ترتضيها الرقابة، والتي لا تُغضب الأسرة العلوية.
أُنتج "لاشين" عام 1938 قبل 14 عامًا تقريبًا من قيام الثورة، عن فكرة لهينريش فون ماين وكتب الحوار للفيلم أحمد رامي، وأخرجه فريتز كرامب، ورغم وجود لافتة كُتب عليها "وقعت حوادث هذه القصة حوالي القرن الثاني عشر"، إلا أن الرقابة اعتبرت أن الفيلم يسيء للنظام الحاكم، وأرادت تغيير النهاية فبدلا من أن ينتصر الشعب على السلطان، ويقوم بخلعه، تتبدل النهاية باكتشاف أن السلطان لم يكن يعلم بفساد حاشيته، ويظل الشعب والسلطان يد واحدة، بقضاء السلطان على فساد الحاشية والوقوف في صف الشعب.
يبدأ الفيلم بالإعلان عن تنفيذ أمر السلطان بقطع رأس شخص لقبوه بـ"الخائن"، في حين تباينت تعليقات جموع الشعب، فهناك من يردد أنه –القتيل- لم يفعل شيء يستحق عليه قطع رأسه، "والله ما حد يستاهل قطع رقبته غيركم"، متسائلين "هو ده جزاء المعروف؟"، بينما يؤكد آخرون أن السلطان لن يصدر أوامر بقطع رأسه إلا إذا كان قد تأكد من خيانته.
وتدور أحداث الفيلم حول لاشين قائد الجيش، الذي يسعى لتطبيق العدل، على عكس رئيس الوزراء الذي يستغل سلطته في تحقيق مكاسب وثروة على حساب الشعب، ويحاول لاشين تنبيه السلطان لما يفعله رئيس الوزراء، فيعمل رئيس الوزراء على التخلص من لاشين وإيداعه في السجن، الأمر الذي يشعل الشعب ضده، ويزيد غضبهم فيثورون، وهي الثورة التي تكشف للسلطان حقيقة من حوله، من هتافات الشعب "يسقط كنجر الخاين"، "يحيا لاشين ويحيا السلطان العادل".
الفيلم ضم عدد كبير من العناصر البشرية، ما بين أبطال ومجاميع، وصل عددهم بحسب ما جاء على التتر عشرة آلاف ممثل وممثلة، أما البطولة فتشارك فيها "حسين رياض في دور السلطان، نادية ناجي، فؤاد الرشيدي، عبدالعزيز خليل، حسن البارودي"، وحسن عزت وهو القائم بدور "لاشين"، قائد الجيش الذي يتسم بالعدل.
حسن عزت ولد في أبريل عام 1905 في الإسكندرية، وكان فيلم "لاشين" تجربته التمثيلية الأولى والأخيرة في مصر، وسبقها دراسته للتمثيل في فرنسا، وبعد الفيلم سافر وعمل في الولايات المتحدة الأمريكية، في عدد من الأفلام، منها " Background to Danger"، ويؤكد مؤرخون أنه أول ممثل مصري يعمل في السينما الأمريكية، وتوفي في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001.