أزمة العلاقات الإسرائيلية الأردنية تتصاعد"، كان هذا عنوان مقال "يوني بن مناحيم" محلل الشئون العربية بـ"مركز القدس للشئون العامة والسياسية"، والذي حذر فيه من تدهور العلاقات بين تل أبيب وعمان.
وشهدت العلاقات بين الجانبين تدهورا ملحوظا بدء من الإجراءات الإسرائيلية في الحرم القدسي الشريف وقمع التظاهرات الفلسطينية بالقدس وأمام أبواب المسجد الأقصى المبارك، وصولاً إلى إطلاق حارس أمن إسرائيلي في سفارة تل أبيب بعمان النار على مواطنين أردنيين ما أدى لمقتلهما.
شرارات الغضب الشعبي الأردني طالت الحكومة الأردنية التي سمحت بتسليم القاتل الإسرائيلي لتل أبيب، وهناك استقبله رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالأحضان.
وتيرة الأحداث حول جبل الهيكل (الحرم القدسي الشريف) تعرض معاهدة السلام التاريخية الموقعة بين إسرائيل والأردن عام 1994 المعروفة في الأردن بـ"اتفاق وادي عربة" للخطر.
اندلعت في نهاية الأسبوع تظاهرات ضمت مئات الأردنيين بالقرب من السفارة الإسرائيلية بعمان مطالبين بإغلاق السفارة ومحتجين على تعامل حكومة هاني الملقي مع الموضوع.
يطالب 55 عضوا في البرلمان الأردني في عريضة وقعوا عليها بطرد السفيرة الإسرائيلية في الأردن، وإغلاق مبنى السفارة الإسرائيلية بعمان وإعادة السفير الأردني من تل أبيب.
اضطر الملك الأردني عبد الله لقطع إجازته الصيفية بالولايات المتحدة والعودة لعمان لمعالجة الأوضاع الأمنية والسياسية الداخلية بشكل شخصي. يدرك الملك أن خطرا يهدد استقرار المملكة الهاشمية على خلفية أحداث جبل الهيكل وموجة الاحتجاجات التي واكبت إطلاق سراح ضابط الأمن الإسرائيلي الذي قتل مواطنين أردنيين.
أوفد الملك عبد الله رئيس مكتبه الدكتور فايز الطراونة، لسرادق عزاء محمد الجواودة، الشاب الذي قتل بنيران ضابط الأمن الإسرائيلي، وفور عودته للأردن ذهب بنفسه لتقديم التعازي، وقال لوالد الشاب : ابنك هو ابني، لن نفرط في حقه.
بعدها زار الملك منزل الطبيب بشار الحمارنة، المواطن الأردني الثاني الذي قُتل في حادث إطلاق النار. بحسب مصادر أردنية، طلب الملك من العائلة عدم تلقي أي تعويض مالي من إسرائيل قبل الانتهاء من التحقيق.
أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية السبت الماضي فتح تحقيق رسمي في حادث إطلاق النار بالسفارة الإسرائيلية بالأردن بالتنسيق مع المستشار القانوني للحكومة أفيخاي مندلبليت، وأنه سيتم إخطار الأردن بنتائج التحقيق.
الأزمة الحالية التي تشهدها العلاقات الإسرائيلية الأردنية خطيرة للغاية، كونها أحدثت موجة احتجاجات داخلية تهدد وضع الملك عبد الله في أنحاء المملكة وتعزز إمكانية اتخاذ الملك خطوات ضد إسرائيل، لاستيعاب الأزمة والحفاظ على حكمه.
ورغم أن موجة الاحتجاج الشعبي موجهة للحكومة في الأردن، يعلم الجميع أن الملك هو من أعطى أوامره بالسماح للسفيرة الإسرائيلية في الأردن عينات شلاين وضابط الأمن الإسرائيلي بالعودة إلى إسرائيل في سلام.
الصور التي نُشرت في إسرائيل لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وهو يعانق ضابط أمن السفارة أثارت غضبا لا يمكن وصفه في الأردن والعالم العربي وكانت بمثابة صب الزيت على النار الكبيرة التي اندلعت في الأردن بعد الواقعة التي قُتل خلالها مواطنان أردنيان بنيران حارس الأمن الإسرائيلي.
كُرس العناق الذي نقلته وسائل الإعلام بين نتنياهو وضابط أمن السفارة لأغراض سياسية داخلية، لكن في الأردن يفسر على أنه إهانة وطنية وانتهاك للسيادة من قبل إسرائيل. وجه الملك عبد الله انتقادات لاذعة لرئيس الحكومة نتنياهو ، ووفقا لتقارير في وسائل إعلام أردنية، لن يكون بإمكان السفيرة عينات شلاين العودة للأردن حتى محاكمة ضابط الأمن.
تصاعد الغضب الشعبي في الأردن خلال الشهور الماضية بعد التوقيع على اتفاقية الغاز، وزيارة الرئيس ترامب للحائط الغربي (حائط البراق)، والإجراءات الإسرائيلية بالقدس الشرقية وجبل الهيكل.
وفقا لمصادر أردنية، هناك تحت السطح تنتظر فترة طويلة من التوترات بين إسرائيل والأردن على خلفية رفض إسرائيل إطلاق سراح 23 أسيرا أمنيا أردنيا محبوسين في إسرائيل، وتقديم معلومات عن مصير 30 مختفيا أردنيا آخر.
سوف يبحث الملك عبد الله الآن عن طرق لاحتواء غضب الشارع الأردني تجاه إسرائيل. إحدى الخيارات التي يدرسها الملك هي اتخاذ خطوات عملية تتجاوز تصريحاته الحادة وتصريحات وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. وثمة إمكانية لاستدعاء السفير الأردني في تل أبيب وإعادته لعمان وإعلان تجميد العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل على خلفية الأحداث الاخيرة.
يرتبط الملك عبد الله بعلاقات وطيدة مع الإدارة الأمريكية وعلاقات شخصية وطيدة مع الرئيس ترامب وبإمكانه إقناعهم بضرورة اتخاذ تلك الخطوات لاحتواء غضب الشارع والحفاظ على استقرار نظامه.
تتصاعد المطالب في الأردن بمحاكمة المسئولين الذين سمحوا لطاقم السفارة الإسرائيلية بمغادرة البلاد والعودة لإسرائيل، لا تشير أصابع الاتهام مباشرة للملك عبد الله لكن لا يمكن استبعاد إمكانية تقديم كبش فداء ما في النهاية، وتحميله المسئولية في محاولة لتهدئة غضب الشارع.
لقد تضررت الكرامة الوطنية الأردنية نتيجة لتعامل الحكومة الإسرائيلية مع القضية، ويتطلع الشارع الأردني ويطالب بأن يعيد الملك للأردن الكرامة الضائعة.
تشير تقديرات إسرائيلية إلى أن الملك لن يمس العلاقات الأمنية السرية بين إسرائيل والأردن كونها تخدم مصالحه، لكنه قد يتخذ خطوات حادة تجاه إسرائيل على المستوى التصريحي والسياسي.
تجدر الإشارة إلى أن الملك حسين أيضا، والد الملك عبد الله، والذي وقع على معاهدة السلام مع إسرائيل، لم يتردد في تهديد إسرائيل بإلغاء معاهدة السلام معها إذا لم تسلمه ترياق السم الذي دسه عملاء الموساد في أذن زعيم حماس خالد مشعل بعمان في سبتمبر 1997. كذلك أصر إسرائيل على إطلاق إسرائيل سراح الشيخ أحمد ياسين وكذلك كل الأسرى الأمنيين الأردنيين المسجونين لديها.
بحسب مصادر أردنية، لا يخشى الملك عبد الله فقط من إمكانية زعزعة غضب الشارع الاستقرار السياسي، بل أيضا من إمكانية أن يؤدي لموجة هجمات ضد أهداف إسرائيلية بالأردن، كالسلك الدبلوماسي المتمثل في السفارة الإسرائيلية بعمان أو استهداف سياح إسرائيليين، أو حتى محاولة التسلل من الأراضي الأردنية داخل إسرائيل لتنفيذ عمليات انتقامية.
لإسرائيل والأردن حدود مشتركة طويلة للغاية من الشمال وصولا للجنوب، ظلت تحظى بهدوء شديد لوقت طويل. يمكن للأزمة الحادة الحالية اختراق هذا الهدوء.
ماذا يجب أن تفعل إسرائيل الآن؟
أولا، وقف كافة التصريحات التي يطلقها سياسيون كبار في وسائل الإعلام حول مسألة الأردن، خاصة تلك التصريحات المتعلقة بأن الملك عبد الله مرهون من الناحية الأمنية بإسرائيل وأنها هي التي تحافظ على نظامه، فكل هذا يقدم الملك الأردني كمتعاون مع إسرائيل.
إخطار الأردن وإشراكها عبر القنوات الدبلوماسية بشكل جارف في كل الإجراءات المتعلقة بجبل الهيكل.
يذكر أنه وفقا لمعاهدة السلام بين الدولتين، فإن الأردن هي الخادم الرسمي للأماكن المقدسة في جبل الهيكل.
يجب السماح لمحققين أردنيين بالتحقيق في إسرائيل مع ضابط الأمن الذي اضطر لإطلاق النار في السفارة وتعويض عائلات المواطن الأردني الثاني الذي قتل خلال الحادث بالسفارة.
بالإضافة إلي ذلك، يتعين على القيادة السياسية التفكير في إطلاق سراح أسرى أمنيين أردنيين قابعين في السجون الإسرائيلية كبادرة لحسن النية تجاه الملك بمناسبة عيد الأضحى الذي يحل خلال الأسابيع القادمة، مثل هذه الخطوة يمكنها تقليل التوترات بين الدولتين.