"التسعيرة الاسترشادية".. قانون جديد يثير غضب الأطباء.. الوزارة: "الفيزيتا" تخضع للأهواء الشخصية.. والأطباء: السوق عرض وطلب

العلاقة بين الطبيب والمريض ليست مجرد لقاء بين شخصين، وإنما هي عقد طبي حسب قانون واجبات الطبيب، فالطبيب هو عنصر الآمان في المعادلة، يسعى لتشخيص المرض ويوفر العلاج المناسب، يظل خلف المريض داعما حتى يأتيه الخبر اليقين بالشفاء، فيصبح ملاكا للرحمة ترتفع الأكف بالدعاء له، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.

ففي مصر، أصبح المريض حائرا يترقب الموت من كل الأبواب، فما بين غلاء الأسعار وضعف الرواتب، نتيجة الاصلاحات الاقتصادية الحالية، لا يستطيع المرضى من معدومي ومحدودي ومتوسطي الدخل مجاراة أسعار الكشوفات الطبية مرتفعة الثمن، ليفضل عدم الذهاب للطبيب لأنه لا يملك، وليتحول الطبيب إلى تاجر جديد يضع تسعيرة دون نظر إلى قانون الرحمة.

وفي الأيام الأخيرة، انتشر جدل واسع حول تسعير الحكومة لكشوف الأطباء في القطاع الخاص، والتي بررتها وزارة الصحة أنها محاولة لتخفيف الأعباء عن كاهل المواطن وتسهيل حصوله على الخدمة الطبية، فحسب احصائيات الوزارة فإن القطاع الطبي الخاص يقدم 75% من الخدمات للمرضى قائمًًا على 250 ألف طبيب في 90 ألف منشأة طبية خاصة، وهو الأمر الذي يجعله متحكم بشكل مباشر في تحديد طريق المريض إلى النجاة.

وصرح وزير الصحة الدكتور أحمد عماد، في وقت لاحق، بأن الفترة الماضية شهدت ارتفاع مبالغ فيه في أسعار الخدمات الطبية في المستشفيات والعيادات الخاصة، ولذا لابد من وضع تسعيرة استرشادية لحماية المرضى من الاستغلال، مضيفا أنه بصدد كتابة مقترح قانون سيعرض على مجلس النواب في أقرب وقت.

وبناء على تصريحات وتوجهات الوزير، خرجت وزارة الصحة أمس، بمقترح يتضمن تحديد قيمة الكشف للطبيب الممارس بـ 100 جنيه كحد أقصى للكشف، و200 جنيه للأخصائي و400 جنيه للاستشاري الحاصل على الدكتوراة والاستشارى أستاذ الجامعة 600 جنيها، وهو الأمر الذي أثار بلبلة كبيرة بين ممتهني الطب، زاعمين أنه ليس من حق وزارة الصحة تحديد قيمة الكشف بالنسبة للقطاع الخاص لأنه يخضع لمعايير السوق.

عضو مجلس النقابة: لن نتحرك إلا إذا أخطرنا رسميا

من جانبه، قال الدكتور هاني مهنا، عضو مجلس النقابة العامة لأطباء مصر، إن تسعيرة الحكومة أعلى بكثير من متوسط كشوفات 90% من الأطباء، مضيفا: "كم إخصائي كشفه 200جنيه، أو استشاري كششفه 600جنيه، ليس العدد بكبير إذا نظرنا إلى الصورة كاملة، فهناك أطباء من متوسطي الدخل ما زالت قيمة الكشف بعياداتهم الخاصة لم تتخطى هذه الأرقام بعد".

وأضاف عضو النقابة العامة للأطباء، أن القانون يُعرض الكثير من ممارسي المهنة للظلم الواضح، فكثير من أساتذة المهنة وعباقرة التخصصات المختلفة سيرفضون هذا القانون حتما، لأنه يلغي فارق الخبرة والكفاءة، مشيرا إلى أن القطاع الخاص عبارة عن سوق يعرض منتج قائم على العرض والطلب، ويخضع لتغيرات السوق وليس لتسعيرة حكومية ثابتة.

وعن موقف النقابة العامة لأطباء مصر من مقترح القانون، أشار "مهنا" إلى أن النقابة لن تتحرك بخصوص هذا الأمر إلا إذا تم إخطارها رسميًا وليس عن طريق تصريحات وأخبار متداولة في وسائل الإعلام.

إدارة العلاج الحر: أسعار "الفيزيتا" تخضع لأهواء شخصية

وفي المقابل، قال الدكتور على محروس، رئيس الإدارة المركزية للعلاج الحر والتراخيص بوزارة الصحة، في تصريحات له، إن المقترح يهدف إلى إعادة الانضباط إلى القطاع الطبي، فأسعار الكشوفات "الفيزيتا" تخضع لأهواء مقدمي الخدمات الشخصية دون ضابط، مشيرا إلى أن عدد مستشفيات القطاع الخاص يزيد عن 2013 مستشفى، بما يمثل 3 أضعاف مستشفيات القطاع الحكومي البالغة 700 مستشفى إلى جانب نحو 80 ألف عيادة تمثل ٩٥% من إجمالى العيادات الطبية الموجودة في مصر، مقارنة بـ5% تابعة لوزارة الصحة.

فيما أجمع الأطباء على أن المشاريع الخاصة لها جانب تجاري استثماري، ومن حقهم الحصول على أموال خاصة منها، ففي النهاية تعتمد على العرض والطلب، وتخضع لمتغيرات السوق، مؤكدين أن المريض يختار وهناك أماكن مختلفة بتسعيرات مختلفة.

من جهة أخرى، لاقى المقترح تأييد من قبل المواطنين، فشجع عبد الرحمن زكريا، موظف، قرار الوزارة قائلا: "لا بد من وضع ضابط لكل مؤسسة سواء حكومية أو خاصة، ولابد من حماية المريض الذي لا يجد قوت يومه، فكيف سيدفع ثمن علاجه المرتفع"، مشيرا إلى أن التسعيرات الجبرية ليست مستحدثة وكانت مفروضة في مصر لسنوات طويلة القرن الماضي.

بينما أشارت سماح عزمي، ربة منزل، إلى أن "جشع الأطباء" –حسب وصفها- وصل لأعلى الدرجات، كما أن هناك أسر كاملة تعمل في الطب، ويتفقون فيما بينهم على أسعار خاصة، فبينما الطبيبة الأم ترفع سعرها لأكثر من الضعف يخرج الطبيب الابن بسعر أقل فيلجأ من لا يستطيع إليه وبهذا لا يخرج من بينهم المريض.

ومن المتوقع أن يثير القانون أزمة بين الأطباء ووزارة الصحة، نظرا لما يروه من تدخل الوزارة في أمور خاصة، في حين يرى المواطن أن التسعيرة الاسترشادية يجب أن تخفض عن ذلك، نظرا للظروف الاقتصادية السيئة، وهو الأمر الذي سيحدد بمجرد خروج القانون للنور في الأيام القادمة.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً