في أجواء غلب عليها القلق وخيم عليها انزعاج وخوف وإحصاءات بعدت كل البعد عن التفاؤل، التف وزراء وخبراء بارزون ومسؤولون أفارقة يمثلون القطاعين العام والخاص حول منتدى مائدة مستديرة نظمته "وكالة تأمين التجارة الأفريقية" ATI في نيروبي، لبحث آفاق الاستثمارات الأجنبية في القارة الأفريقية وسبل التعاطي مع المخاطر والمصاعب التي تحول دون تدفقها ولاسيما في ضوء واقع الأرقام والإحصاءات التي كشفت وجود فجوة هائلة لتمويل مشروعات البنية التحتية الأساسية في القارة السوداء تقدر قيمتها بما يقرب من تريليون دولار.
ورأى كثير من المشاركين في "منتدى المائدة المستديرة"، الذي استضافته كينيا، أن الحدث يعقد في توقيت مهم يشهد انعدام اليقين بسبب "عوامل جيوسياسية تشهدها القارة"، وهو أمر اعتبره البنك الدولي قد يقود إلى "ارتفاع تكاليف الإقراض أو انخفاض التدفقات الرأسمالية للأسواق البازغة والصاعدة".
بالنسبة الحكومات الأفريقية، فإنها تقف على المحك لأنها في أمس الحاجة للاستثمارات الأجنبية المباشرة والتمويلات الضرورية للوفاء باحتياجاتها التنموية المتصاعدة، ولاسيما متطلباتها لسد الفجوة الخاصة بالبنية التحتية الأساسية التي تقدر قيمتها بنحو 900 مليار دولار، ويقف القطاع الخاص على الحالة نفسها إذ يتوقع له أن يفقد مليارات الدولارات في شكل فرص ضائعة لم تتحقق في ضوء غياب البيئة الاستثمارية المفضلة.
وشاركت نخبة من المسئولين والخبراء الأفارقة في المائدة المستديرة التي ركزت على المخاطر السياسية والائتمانية التي تعتري القارة الأفريقية، وكان أبرزهم رئيس بنين باتريس تالون الذي حث على ضرورة "إبرام شراكات بين القطاعين العام والخاص استجابة لاحتياجات وهياكل الاستثمار في الدول الأفريقية"، لافتا إلى أن "ضمان الائتمان يعد بمنزلة الأداة الفعالة لمواجهة تحديات المخاطر التي تواجهها القارة".
وناقش المشاركون، في المائدة المستديرة، الحلول الممكنة والتحديات التي تواجه كلا من الحكومات والقطاع الخاص، وكان من بينهم وزير المالية والتنمية الاقتصادية الزيمبابوي باتريك شيناماسا، ووزير الاقتصاد والمالية لبنين رومولاد واداجني، ووزير المالية الزامبي فليكس موتاتي، ومدير الشؤون الحكومية وتنمية الأسواق في شركة "بوينج إنترناشونال" شامسو أندجورين، ورئيسة فرع حلول التمويل الصناعي لبلدان جنوب الصحراء في شركة "جنرال إليكتريك" العالمية هيلين متشالي، ومديرة تمويل التجارة العالمية والتنمية للأسواق البازغة في مؤسسة SMBC، نسرين هالا.
وسلطت نقاشات منتدى المائدة المستديرة الضوء على عدد من القضايا المهمة المتعلقة بالاستثمار والبيئة الاستثمارية، ولعل أبرزها ما خلص إليه المشاركون بأن المستثمرين ليسوا محصنين من التطورات والتحولات السياسية والاجتماعية التي تطرأ في المناطق البازغة مثل أفريقيا، فواقع الأرقام يؤكد أن المكاسب آخذة في التناقص بصورة ملفتة للأنظار، وها هو المؤشر الرئيسي لبورصات الأسواق البازغة يفقد سنويًا ما يقرب من 4% من نقاطه منذ عام 2010 بعد أن كان يحقق ارتفاعًا في عائداته السنوية بنسبة 22% في العقد السابق عليه، وبات المستثمرون يركزون على وصل التدني إلى القاع أم ماذا سيعقب هذه الحالة في تلك الأسواق.
فأثناء سنوات الانتعاش التي عاشتها القارة الأفريقية خلال العقدين الماضيين، حققت القارة نموًا غير مسبوق في الناتج المحلي الإجمالي، لكن تراجع أسعار السلع الأولية في بلدان جنوب الصحراء الأجنبية قاد النمو إلى التباطؤ ليصل إلى 5ر1% في عام 2016.
وكشف مقال مهم نشرته مؤسسة "بلومبيرج" على موقعها قبل ما يزيد على العام، وبالتحديد في مارس 2016، أن مستثمري الأسواق البازغة عدلوا من تكتيكاتهم الاستثمارية في ضوء حالة الهشاشة العالمية، التي يرون أن أسبابها تعود إلى ضعف الهياكل المؤسسية، والفساد، والافتقار للحكم الرشيد، وانعدام الكفاءة في تلك الأسواق، وفي ظل تلك الأجواء والمناخات السائدة، بات المستثمرون أكثر حرصًا على رصد ومتابعة المؤشرات الاجتماعية مثل ترتيب الدولة في مؤشر الفساد، والمساواة بين الجنسين، ومدى احترام مبادئ حكم القانون داخل الأسواق البازغة.
ورغم الجوانب السلبية التي تحدث عنها المقال وناقشها الملتفون حول المائدة المستديرة، فإن الرئيس التنفيذي لـ"وكالة تأمين التجارة الأفريقية" ATI، جورج أوتينو، رأى أنه من الخطأ الرهان بمستقبل الاستثمارات في أفريقيا، قائلًا "لازلنا نمثل أسرع اقتصادات العالم نموًا في عام 2017، كما أن المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس، أدرج كوت ديفوار وتنزانيا والسنغال على قائمة الاقتصادات العشرة الأسرع نموًا في العالم".
وفي تلك المناخات، بات من الحتمي على الحكومات الأفريقية أن تركز أكثر من أي وقت مضى على تنويع اقتصاداتها للحفاظ على النمو مع العمل على معالجة المخاطر التي تواجه المستثمرين، وتمكنت وكالة تأمين التجارة الأفريقية ATI، من تقديم حلول مثالية استنادًا إلى شبكة قوية من العلاقات التي تربطها بالحكومات، فضلًا عن تقييماتها وحلولها التمويلية التي ينظر إليها الممولون والمستثمرون العالميون بمصداقية وموثوقية عالية فالوكالة بدخولها طرفًا مع الحكومات تقدم ضمانات آمنة للمستثمرين والموردين ضد مخاطر الاستثمارات.
ففي عام 2016، تمكنت وكالة ATI، من تأمين ما يقرب من ملياري دولار (بما يعادل نحو 8ر202 مليار شلن كيني)، في صورة صفقات تجارية واستثمارية، كما أنها تواصل تقديم دعمها لأهم الصفقات المبرمة في القارة الأفريقية من بينها توسيع وتحديث أسطول الطائرات لشركة خطوط الطيران الأثيوبية، علاوة على تأمين استثمارات بقيمة 660 مليون دولار في مشروع بحيرة توركانا، أكبر مزرعة لتوليد الطاقة من الرياح في أفريقيا، وأكبر استثمار فردي كينيا.