في ركن صغير داخل إحدى عربات مترو الانفاق، يمكث طفل في العاشرة من عمره، يغط في نومًا عميق، تحاوطه السيدات المتواجدة في العربة بنظرات مختلفة، منهم من تنظر إليه بنظرة اشمئزاز ومنهم من سيطر الحزن عليها، ومع كل اهتزارة يصدرها سائق العربة أثناء السير والتوقف، يهتز جسد الطفل النحيل، دون أن يستيقظ، ومع كل نظرة تفحص من سيدة تظهر التعليقات، فتلك تقول "أمه فين حرام ترميه كده"، لترد الفتاة الجامعية التي وضعها القدر أن تجلس هي وصديقاتها بجانب الطفل "عندك حق ده مثلج وبيترعش ونام من التعب".
وعلى الحائط الذي يقع بجانب رأس الطفل، تقف امرأة منتقبة، تتمسك بملابسها طفلة في السابعة من عمرها، بين لحظة وأخرى، تترك يد والدتها لتقف بجانب الطفل الملقى على الأرض، لتقول لوالدتها "ماما هو ليه نايم كده!"، لتنظر الأم بنظرة شفقة على ذلك الطفل ذات الملابس المتهالكة، وتقول "معلش يا حبيبتي ربنا معاه"، فتعود الطفلة مرة أخرى للاختباء خلف والدتها.يتوقف المترو عند محطة غمرة، ويفتح أبوابه، لتدخل أشعة الشمس وتداعب جسد الطفل، الذي تستقر رأسه على كيسًا من البلاستيك، داخله ملابس تحمل العديد من الألوان، لكن الشمس بحرارتها العالية، لم تنتصر على النوم الذي اختطف الطفل في عالم آخر، يري فيه نفسه في بيت وسط عائلة، وملابس نظيفة.في تلك المحطة التي تعج بطلاب الجامعات، دخلت مجموعة من الفتيات إلى العربة، لتصطدم نظراتهم بالطفل الذي يرتدي حذاء متهالك، لتظهر الجروح التي تحملها قدم الطفل، والغبار الكثيف الذي اتخذت من قدمه التي لازالت تحمل علامات الطفولة بيئة خصبة، فتقول الأولى "تعالوا نقف الناحية التانية"، لترد الآخرى "ماشي يلى عشان مع حركة المترو ممكن نقع عليه.. يا حرام ده شكله غلبان جدًا".
تعاود المرأة المنتقبة النظر إلى الطفل، الذي لازال نائمًا، فتضع يده في حقيبتها، وتخرج 5 جنيهات، تحاول إيقاظه، ليفتح الطفل إحدى أعينه، ويقول "عايز أنام سبيني أنا تعبان"، فترد عليه السيدة: "نام يا حبيبي بس خد الفلوس ده حطها في جيبك وهات بيها فطار ليك"، فيأخذ الطفل الجنيهات ويضعها في جيب بنطاله الذي يظهر من جسده أكثر مما يخفي، ويعاود للنوم مرة أخرى.
وعلى الجانب الأيمن من عربة المترو التي يستقر بها الطفل، تجلس امرأة، ترتدي عباءة سوداء، تستند بظهرها على الباب، راقبت باعينها كل ما فعلته المرأة المنتقبة، لتقول لها: "ربنا يبارك فيكي.. أنا مش عارفة فين الأم اللي قلبها قاسي على ابنها وترميه في الشارع كده"، لترد المنتقبة: "ربنا يحفظه ويبعد عنة ولاد الحرام.. ده ممكن يموت في أي لحظة من الجوع وعدم النظافة".
يتوقف المترو باهتزازة عنيفة في محطة "الشهداء"، لتميل كل أجساد السيدات داخل العربة على بعضها البعض، فتستند السيدة التي تقف بجانب الطفل النائم على الحائط، خوفًا من الوقوع عليه، إلى أن فتح المترو أبوابه وخرجت السيدات.
قبل أن يغلق الباب مرة أخرى، دخلت سيدة في الخمسين من عمرها، بصحبة ابنتها وحفيدتها، لتجد الطفل النائم، فتحركت برشاقة جانبها، وأخرجت من حقييتها "فوطة" بيضاء كبيرة، وضعتها بجانب الطفل، لتجلس عليها، ولكن بمجرد أن جلست استندت على الطفل بجسدها الممتلئ بدون أن تشعر، أما الطفل فلازال يغط في نوم عميق، لا بيالي بما يحدث حوله.