عندما أعدمت السعودية رجل دين شيعيا بارزا مما دفع محتجين ايرانيين إلى إقتحام سفارة المملكة في طهران وإضرام النار فيها كان السودان بين ثلاث دول فقط قطعت علاقاتها مع إيران تضامنا مع الرياض.
وعززت الخطوة التي اتخذها السودان في الرابع من يناير كانون الثاني تحولا سياسيا كبيرا. فعلى مدى العامين الأخيرين أدار السودان ظهره للتحالف الذي استمر ربع قرن مع إيران من أجل تقوية علاقاته مع السعودية التي أبدت استعدادا أكبر لتقديم دعم مالي تشتد إليه حاجة الخرطوم.
وضخت السعودية بالفعل استثمارات أكبر من تلك التي ضختها أي دولة أخرى في السودان إذ بلغت استثماراتها هناك حوالي 11 مليار دولار معظمها في قطاع الزراعة. وعلى مدى السنة الأخيرة أودعت السعودية مليار دولار في البنك المركزي السوداني ووقعت اتفاقات لتمويل بناء سدود على نهر النيل لتوليد الكهرباء بل وتعهدت بضخ المزيد من الاستثمارات في القطاع الزراعي.
هذا الدعم السخي يوضح السبب في أن السودان آثر العلاقات الاقتصادية مع السعودية على علاقته مع إيران التي تركزت في معظمها على الأسلحة في وقت يعاني فيه انهيارا للعملة وارتفاعا حادا في البطالة.
وقال الطيب زين العابدين أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم "الحكومة إتخذت قرار الابتعاد عن التحالف مع إيران بعد أن قيمت العلاقات مع إيران ووجدتها مضرة إقتصاديا وسياسيا."
وأضاف قائلا "إيران لم تقدم أي مساعدات إقتصادية للسودان وهذا ما جعل الحكومة تظن أن العلاقة مع إيران مجرد عبء."
ويمثل التحول صوب الرياض مسارا جديدا يسلكه الرئيس السوداني عمر البشير الذي احتفظ بالسلطة لأكثر من 25 عاما في بلد مضطرب من خلال التنقل بين تحالفات مختلفة. ففي أوقات أخرى تقرب البشير من أسامة بن لادن والولايات المتحدة وطهران.
وانضم البشير العام الماضي إلى التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن لمحاربة الحوثيين المتحالفين مع إيران وأظهر لدول الخليج السنية أن بمقدروه المساهمة بدور فعال في معركتها الرامية للحد من نفوذ الجمهورية الإسلامية.
وتقول وزارة الدفاع السودانية إنها أرسلت ثلاث طائرات حربية وبعض القوات البرية لتأمين منشآت في ميناء عدن بجنوب اليمن ومناطق أخرى وإن كانت الطائرات والقوات لم تشارك بشكل يذكر في المهام القتالية حتى الآن. وقام السودان أيضا بتدريب آلاف الأفراد من القوات اليمنية.
وكانت علاقات السودان مع السعودية متوترة في معظم الفترة التي قضاها البشير في السلطة منذ عام 1989. فقد أيد الرئيس السوداني الغزو العراقي للكويت المجاورة للمملكة في 1990 وخرج محتجون إلى شوارع السودان لدعم صدام حسين وإنتقاد أفراد الأسرة الحاكمة في السعودية.
وفي 2013 وصلت العلاقات إلى أدنى مستوياتها حين منعت السعودية طائرة البشير من المرور عبر مجالها الجوي إلى إيران.
وعلى النقيض من ذلك عزز البشير العلاقات الودية مع طهران التي توجت بزيارة للرئيس الإيراني آنذاك هاشمي رفسنجاني في 1991. ورأى البلدان -اللذان أدرجتهما الولايات المتحدة في قائمتها للدول الراعية للإرهاب وفرضت عليهما عقوبات- منفعة متبادلة في التحالف ضد المحاولات الغربية لعزلهما.
وساعد السودان إيران على بسط نفوذها بأن صار المدخل الرئيسي لصادرات الأسلحة الإيرانية إلى أفريقيا وفقا لما ذكره مصدران يراقبان تجارة الأسلحة. وتنفي الخرطوم المشاركة في هذه الأنشطة.
وفي المقابل إستفاد السودان من التكنولوجيا العسكرية الإيرانية التي ساعدته على أن يصبح منتجا مهما للأسلحة في أفريقيا.
غير أن الحسابات تغيرت مع تفاقم المشكلات الاقتصادية التي يواجهها السودان وخصوصا بعد أن فقد ثلاثة أرباع إيراداته النفطية حين إنفصل جنوب السودان في 2011.
وقال المتحدث باسم الجيش السوداني أحمد الخليفة الشامي إن الجيش دعم التحول في السياسة مشيرا إلى أن "التعاون العسكري مع إيران كان محدودا على خلاف ما تقوله أجهزة الإعلام."
وأضاف الشامي قائلا "الجيش لن يتضرر بقطع العلاقات مع إيران نظرا لأن كل التصنيع الحربي يتم بأيادي وخبرات سودانية."
وكان السودان قال إن دعمه للحملة العسكرية في اليمن يمثل نقطة تحول في العلاقات مع السعودية لكنه ليس مرتبطا بضخ المزيد من الاستثمارات. كما أشار إلى أنه لم يقطع علاقاته مع إيران في مقابل مساعدات سعودية.
وقال علي الصادق المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية إن بلاده تتطلع لأبعد من ذلك في العلاقة الجديدة.
وأضاف قائلا "نحن ننظر لشراكة استراتيجية مع السعودية ونحن نتجاور على شواطئ البحر الأحمر ونعمل سويا لتأمين هذه السواحل ضد التحديات التي تواجه البلدين والمنطقة."