أطفال مشردة لا يعلمون كيف يعيشون في تلك الحياة البائسة التي وجدوا أنفسهم فيها دون ذنب، ليصبح الشارع مأواهم الوحيد تنهش أبدانهم قسوة البرد في الشتاء، ويقسو عليهم لهيب الحر في الصيف، الخوف يملأ قلوبهم عندما تنظر في أعينهم، حينما تراهم فقط تشعر جيدًا مدى المعاناة التي يتعرضون لها.
أصحاب القلوب الضعيفة لا يرحمونهم، ويرهبونهم طوال الوقت، ويستغلون طفولتهم البريئة، ويحولونهم إلى مجرد أسرى تحت أيديهم، مطلوب منهم تنفيذ الأوامر دون إعتراض وكأنهم عبيد، ومن يخالف ذلك ويخرج عن الميثاق المعهود ويتعرض لأبشع أنواع التعذيب.
هم كغيرهم يبحثون عن المتعة ولو لدقائق معدودة، مثلهم مثل باقي الأطفال اللذين في نفس أعمارهم، ولكن بشكل مختلف، وفي النهاية لا يوجدون لهم داعم سوى صحبتهم الصغيرة، وأشياء أخرى بسيطة يشبعون بها رغباتهم الطفولية.
وعلى ضفاف كوبري قصر النيل، بعد آذان العصر، قرر الطفل "إسلام" وأصدقاؤه اللذين لم يتجاوز أعمارهم 10 سنوات، الاستحمام في نهر النيل، للاستمتاع على طريقتهم الخاصة، والاستراحة من شقاء الشارع. جسده نحيل يبدو عليه، آثار التعذيب، وكيات النار تركت علامات واضحة يراها كل من يقترب منه، من بين قميصه الممزق الذي يرتديه.
اقتربت "أهل مصر" منه لمعرفة قصته واستكشاف الحياة التي يعيشها ومن فعل به ذلك، ولكنه رفض بشدة الإجابة على أي سؤال، رغم كل المحاولات معه، وكل الضمانات التي عرضناها عليه لانتشاله من ذلك البؤس الذي يعيشه، وفضل الاستمرار في التهرب، وكأن هناك شخص ما لقنه جيدًا عدم الرد على أحد، وإلا يلقن درس لن ينساه.
وظهر وسط هؤلاء الأطفال، "عبدالله" أيضًا في نفس العمر 10 سنوات، ولكن يملك شخصية قوية بينهم، ذو بنية قوية، وجرأة تمكنه من إقتيادهم جميعًا، وأحيانًا يتعدى عليهم بالضرب، كنوع من استعراض القوة، وعندما تطرقنا للحديث معه، قال: "أنا الحمدلله أبويا وأمى موجودين، وأنا بسرح في الشارع ببيع ذرة ولب وترمس" ومفيش حد بيعذبني ولا بيضربني، "إسلام" بس هو بيتعذب لكن مش عارف من مين.
وبدأ "إسلام" و"عبدالله"، وطفلين آخرين، في السباحة داخل نهر النيل دون خوف، يتسابقون معًا، ولكن "عبدالله" كان يعنف كل من يدخل بعيدًا في المياه، ويضربه أحيانًا، وفي مواقف أخري، كان لحظات خطيرة بتبادل المراح معًا، ومحاولة الضغظ على رأس أحدهم تحت الماء، عن طريق المزاح، حتي أحيانًا كان يبكي من يتعرض لذلك.
هؤلاء الأطفال وراء كلًا منهم حكاية، وألغاز تحتاج إلى كشف الستار عنها، وأشخاص يدمرون حياتهم، كل هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات، حتى ننقذ مثل هؤلاء الأطفال اللذين سيصبحون في يوم ما خطرًا يهدد المجتمع، إذا ما استمر بهم الحال على ذلك النحو، خاصة أنهم عرضة للتضحية بهم في أي وقت من أجل تحقيق أغراض عصابات تستخدمهم، لأسباب معينة.