آلاف الأطنان من الوقود تتهرب وتنهب ليلا من الحقول والموانيء الليبية لصالح مافيا تجارة النفط، كبدت الاقتصاد الليبي نحو 500 مليون دولار، وأشارت التقارير إلى أن تلك العمليات جميعها تمر بحماية وموافقة مسؤولون نافذون في الدولة الليبية.. هذه هو واقع الحال من وحي التقارير والمعلومات.
وبدأت جهود البحث عن النفط الليبي عام 1955، وصل الإنتاج النفطي الليبي في البداية إلى معدلاتٍ كبيرة بلغت 3 ملايين برميل يوميًّا، قبل أن تقرر الدولة الليبية اتخاذ إجراءات لخفض الإنتاج، وفقاً لصحيفة ميدل إيست آي .
وأهم الحقول النفطية في ليبيا هي حقل آمال، وحقل الفارغ، وحقل زلطن، وهي تقع في المنطقة الشرقية، وحقول الشرارة والفيل والوفاء التي تقع جنوب غربي العاصمة طرابلس، أما مواني النفط في البلاد، فأبرزها ميناء السدرة، وراس لانوف، والبريقة، والحريقة، والزويتينة.
نُظر إلى ليبيا دومًا باعتبارها بلدًا "عائمًا على بحرٍ من النفط"، وإذا أخذنا في الاعتبار أن بلدًا يمتلك 4% من احتياطي النفط في العالم، ولا يبلغ عدد سكانه أكثر من 7 ملايين نسمة، لكان الاستنتاج أن هذا الشعب الذي يملك هذا الكم من الثروة، هو بالضرورة أحد أغنى شعوب العالم وأكثرهم رفاهية، لكن هذا غير صحيح.
وفقا لميدل ايست آي فإن الاعتماد المطلق على عائدات النفط – شكل نحو 94% من موارد البلاد- تسبب في تشوهات هيكلية مزمنة في اقتصاد البلاد الذي صار ريعيًّا بمجمله، ومن ثم فإن الاضطرابات السياسية، والتي تؤثر في إنتاج النفط، تجعل الاقتصاد بأكمله معرَّضًا للانهيار.
شكل النفط بوصفة ثروة البلاد شبه الوحيدة مركزًا للصراع بين القوى المتصارعة في البلاد، وتبعًا لذلك فقد كانت منطقة الهلال النفطي الغنية بالثروة هدفًا يسعى كل طرف لبسط نفوذِهِ عليه، خضعت تلك المنطقة بعد الثورة لما يُسمى بحرس المنشآت النفطية التي تكونت من مقاتلين قبليين محليين.
وتعد «المؤسسة الوطنية للنفط» هي الجهة الحكومية المسؤولة عن إدارة قطاع النفط الليبي، ومقرها طرابلس، وقد تمتعت بدرجة من الاستقلالية عن الحكومات المختلفة.
الأهمية الاستراتيجية للنفط الليبي، لم تلقِ بظلالها فقط على الصراع بين فرقاء الداخل، بل كذلك على اللاعبين الدوليين، وأكدت الصحيفة عن المحاولات الروسية للعب دور أكبر في الملف الليبي، في محاولة من موسكو لامتلاك نفوذ أكبر على النفط الليبي، بما له من أهمية استراتيجية لبلدان الاتحاد الأوروبي عامة، ولإيطاليا بشكل خاص.
-ماذا يجري للنفط في ليبيا؟
كشفت الصحيفة تفاصيل مثيرة بخصوص شبكات تهريب النفط الليبي، ففي ميناء سبراطة يروي مهندس إيطالي خمسيني قضى سنوات طويلة في العمل داخل ليبيا: ما إن يحل المساء حتى يصير بإمكانك رؤية عشرات الناس يبدأون في ملء القوارب بالوقود، عشرات السفن والناقلات تغادر سواحل سبراطة تحت سمع وبصر خفر السواحل الذين يفترض بهم أن يكونوا أمناء على ثروة الليبيين.
«يستخدم المهربون قوارب قادرة على حمل نحو 40.000 لتر من النفط المكرر، وينطلقون بها نحو السواحل الأوروبية، جزيرتا مالطا وصقلية هما الهدف في الغالب، حيث يتسلم رجالات المافيا البضاعة التي تُباع غالبًا قبل الوصول إلى الأراضي الإيطالية».. هكذا أضاف المهندس الإيطالي.
وتابع «يثور الحديث حول مالطا تحديدًا مرتكزًا رئيسياً لتهريب النفط الليبي عبر المتوسط، تُبحر الناقلات من مالطا تجاه السواحل الليبية، حيث تتوقف على بعد عشرات الكيلومترات، وتتوقف أنظمة تتبعها، تستلم بضاعتها من المهربين، قبل أن تعود أدراجها، هذا هو السيناريو الذي رسمه تقرير للأمم المتحدة يتحدث عن تلك التجارة الضخمة التي تدور دورتها عبر المتوسط».
السيناريو نفسه تحدَّثت عنه السلطات الليبية، حين طالب مكتب النائب العام الليبي من السلطات المالطية صراحة وقف عمليات تهريب النفط الليبي، الذي يجد طريقه عبر شبكات المافيا العملاقة إلى مالطا وقبرص واليونان وإيطاليا.
وفي التحقيقات نفسها، وجه النائب العام الاتهام بالتواطؤ إلى مسؤولين نافذين، بعضهم يمارس عمله مديرًا أو عضوًا في مجالس شركات نفطية مهمة، وأُصدرت قرارات بسجن هؤلاء أو منعهم من السفر لحين استكمال التحقيقات في اتهامهم بتبديد ثروات البلاد.
تشير التقديرات إلى أن حجم الخسارة التي حدثت في البلاد بسبب عمليات التهريب تصل إلى نصف مليار دولار، في حين أن مجمل واردات ميزانية البلاد لعام 2016 كان أقل من 6 مليارات دولار.
وليس الشمال هو الوجهة الوحيدة لتهريب النفط الليبي، بل إنه يجد طريقه أيضًا إلى الغرب، والجنوب، فقد كشفت لجنة "أزمة الوقود والغاز الليبية"، في بيان لها أنه يتم يوميًّا عبر الحدود الليبية- التونسية، وعبر معبر ذهيبة تهريب 69 شاحنة وقود محمّلة بشحنة 40,000 لتر لكل واحدة منها بين وقود ديزل وبنزين، بإجمالي 2.670.000 لتر يوميًّا، فضلًا عن الإشارة إلى كميات وصفتها بالخطيرة من الوقود يتم سحبها إلى دولتي تشاد والنيجر عبر الحدود الجنوبية للبلاد.