بمناسبة ما تتعرض له بلدنا الحبيب مصر من غدر هذه القلة المارقة التى أراقت دماء المصلين فى بيت من بيوت الله دون وازع من ضمير من أُناس لا يعرفون للدين حرمة ولا للمساجد قداسة بل أعماهم وأعمى قلوبهم غل أسود وحقد دفين وإرهاب متمكن من عقولهم وقلوبهم ، اردت أن أهدئ من روع نفسى وقلق قلبى وانهيار خواطرى بالتأمل فى مصر الكنانة التى ما هانت ولن تهون.
يا مصر شمسك لن تغيب.
مصر بلد الأنبياء ومسكن العلماء ، و أرض الأولياء و بلد العلم والجهاد، مصر أرض الصديقين والشهداء مصر أرض الصالحين والشرفاء والأوفياء مصر أرض الأطهار الأخيار الأبرار إنها أم الدنيا، فمصر مشى على أرضها نبى الله إبراهيم عليه السلام ونبى الله إسماعيل ، ونبى الله إدريس ، ونبى الله يعقوب ، ونبى الله يوسف فمصر مشى على أرضها كثير من أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصر بلد الصديقين والصديقات عاشت على ترابها أم موسى و مريم أم عيسى على نبينا وعليهم الصلاة والسلام وعاش على ترابها امرأة فرعون ، و مؤمن آل فرعون و ماشطة فرعون ،فمصر أرض الصديقين، أرض الصالحين، أرض الأولياء أرض الأتقياء ، أرض الشرفاء، أرض الشهداء .
ومصر البلد الوحيد الذى ذكره الله فى القرآن الكريم تصريحاً وتلميحاً فى أكثر من موضع فجاء ذكر مصر صراحة فى المواضع الآتية تشريفاً وتكريماً لها فقال تعالى فى سورة يوسف (وَقَالَ الَّذِى اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ ) وقال سبحانه وتعالى فى موضع آخر من نفس السورة (وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ) وقال تعالى فى سورة يونس (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتًا واجعلوا بيوتكم قبلة ) وقال تعالى فى سورة الزخرف (وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِى قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِى مِن تَحْتِى أَفَلَا تُبْصِرُونَ )
وذكرها سبحانه وتعالى إشارة وتلميحاً فى مواضع عديدة تبلغ قرابة الثلاثين موضعاً ، وذلك مثل قوله تعالى (وقال نسوة فى المدينة) ، وقوله تعالى (ودخل المدينة على حين غفله من أهلها ) ، وكقوله تعالى (وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ ) وكقوله تعالى (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال ياموسى إن الملأ يأتمرون بك) إلى آخر تلك المواضع الكثيرة.
و قال عنها سيدنا عمرو بن العاص (ولاية مصر تعدل الخلافة ) فلماذا قال ذلك عمرو بن العاص فاتح مصر ؟
قال ذلك لأن مصر هى :-
هى القلب النابض للأمة كله ، هى قلب الإسلام والعروبة ، هى البوابة الحقيقية للعروبة والاسلام .
فلتقرءوا التاريخ لتعلموا أن كل السيوف وكل الرماح ما تحطمت إلا على هذه الصخرة الصلبة القوية.
ولا عجب حينما أرسل عمر بن الخطاب رضى الله عنه رسالة إلى عمرو بن العاص فاتح مصر وحاكمها يطلب منه مدد المعونة والمئونة من أهل مصر لأهل المدينة النبوية من أصحاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فخطب عمرو بن العاص فى أهل مصر وقرأ عليهم رسالة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقام أهل مصر أهل الجود والوفاء والكرم والسخاء والبذل والعطاء وأخرج كل فقير قبل كل غنى ما يمتلكه فى بيته معونة لأصحاب الحبيب النبى ثم كتب الى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قائلا يا أمير المؤمنين لقد أرسل إليك أهل مصر قافلة من الزاد والطعام والشراب أولها عندك وآخرها عندى فأهل مصر أهل مروءة ، أهل شرف ، أهل عطاء ، أهل جود، أهل فضل .
يقول يحيى بن سعيد من أئمة العلم والزهد والورع ( والله لقد تجولت فى البلدان فما رأيت بلداً أورع أهله من أهل المدينة وأهل مصر) ويقول كعب الأحبار ( لولا أننى أحب العيس فى الشام لرغبت العيش فى مصر ، فقالوا له ولما يابا اسحاق ؟ فقال لأنى أحب مصر وأهلها وأهل مصر فى عافية وما قصدهم جبار بسوء إلا تبه الله. بل وتتعجب عندما تقرأ فى التوراة ما قاله بعض أهل العلم مكتوب فى التوراة من قصد مصر بسوء قصمه الله ، فمصر بلد كريم واجب على كل مواطن مسلم أو غير مسلم عربى أو غربى يعيش على ترابها الذكى أن يفتديها بروحه ودمه فهذا واجب على كل من يعيش على أرضها ويشرب من نيلها ويستظل بسمائها .
واجب عليناجميعاً الآن فهذا وقت البذل ووقت العطاء ووقت الوفاء واجب على أهل مصر الآن من جميع الفئات من الشرفاء أن يعطوا هذا البلد فى وقت أزمته وأن يقفوا إلى جواره فى وقت محنته.
و أرى أنه من العقل و العدل و الحكمة أن نعمل على البناء وان نُعلى من قيمة كل شيء فى بلدنا، وأن نعمل على دوران عجلة التنمية والإنتاج ، ملتفين حول قياداتنا نبنى ونعمر وننبذ كل من يهدم ويدمر ، نحافظ على منشآتنا ونحافظ على جيشنا ونحافظ على أمننا ونتكاتف جميعاً لبنائها كى نعود بها الى ما كانت عليه .