بات واضحا أن قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس قد قتل عملية السلام بما لا يدع مجالا للشك للمتابعين في هذا الشأن ذات الصلة.
فاتصال هاتفي تلقاه كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مفاده قرار الأخير بنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، دون الإعلان عن لحظة تنفيذ القرار، الذي سيكون بمثابة النار المشتعلة في الهشيم.
تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي بدأ في ثمانينيات القرن التاسع عشر، بمطالبة الحركة الصهيونية في أوروبا إقامة دولة خاصة باليهود، في الوقت الذي فضلت مجموعة أخرى أن تقام دولتهم بموقع الدولة التاريخية اليهودية، ليقع اختيارهم على "فلسطين".
حالة من الغضب خلقت من رحمها المقاومة الشعبية الفلسطينية، التي أيدتها عدة دول عربية، معلنين عن حق فلسطين في تقرير مصيرها، في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة في طليعة الدول الداعمة للحركة الصهيونية.
مرت السنوات وفلسطين تلبس فستان الزفاف الملطخ بدماء أبنائها، من الذين سقطوا جراء طلقات الرصاص الغاشمة من قبل القوات الإسرائيلية، فتارة يقتل الأطفال في أحضان أبائهم، وتارة تنشب الاشتباكات، فيتمسك الطفل الفلسطنيي بالحجارة التي تحتضها الأرض المشبعة بالدماء، قاذفًا أياها على القوات الإسرائيلية التي يكون ردها بالرصاص وقنابل الغاز، كما حدث في يوليو الماضي، عندما أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلى، الرصاص المطاطى وقنابل الغاز تجاه الفلسطينيين، قرب حاجز قلنديا شمال القدس.
وسط ساعات الترقب والحسرة التي يعيشها ما تبقى من الشعب الفلسطيني قبل الخطاب المقرر أن يلقيه ترامب، اليوم الأربعاء، بشأن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، في إعلان صريح منه للاعتراف أن القدس عاصمة إسرائيل، يعيش العالم العربي في غياب وعي وضمير مغلف بابتسامة هادئة.
الدول العربية التي طالما كان لها إسهامات غير مجدية في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لم تعد ظاهرة على ساحة القضية المشتعلة منذ شهور، فتارة تنشغل تلك الدول بمحاربة الإرهاب كما تفعل مصر في الوقت الحالي تزامنًا مع العلاج الذي يتلقاه اقتصادها، بعد أزمته في ثورة الـ25 من يناير 2011.
قرار واحد لترامب الذي طالما بدرت منه الأفعال غير العقلانية منذ توليه السلطة في يناير الماضي، قادر على خلق نزيف دماء، وعشرات الضحايا، ذنبهم الوحيد أنهم أبناء فلسطنين (مهد الأنبياء)، الذين لازالوا في انتظار من يحميهم من بطش القوات الإسرائيلية، لكن اليمن غائبة عن المشهد البطولي الذي ينتظره الفلسطنيون، وسط الحروب التي تعيشها على يد الحوثيين، الذين قتلوا الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، أمس الأول، بعد معركة دامت شهورًا، خلفت ما يقرب من 8202 قتيل بينهم 476 امرأةً و508 طفل في (2015- 2014) فقط- حسبما ذكر نظّم التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، العام الماضي.
العراق وسوريا غائبتان كغيرهم من الدول العربية المتأثرة بجروحها التي لازالت تنزف، عن مساندة فلسطين اليوم، بعد ما شهدتاه من جرائم تنظيم "داعش"، أبزرها جريمة التنظيم عام 2015، عندما حكموا بالإعدام رميًا برصاص الرشاشات لأكثر من 10 فتيان في الموصل، بجريمة مشاهدة مباراة كرم قدم، قد حرم التنظيم مشاهدتها، تزامنًا مع قتل العشرات في دير الزور بسوريا للسيطرة على عائدات النفط.
لا يمكن نكران ما عرضته الدول العربية من أغاني وطنية وصورًا عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي، أبرزها "ماتت قلوب الناس ماتت بنا النخوه.. يمكن نسينا في يوم إن العرب إخوة"، التي قدمها 33 مغني عربي، عام 2008، في مقدمتهم الملحن اللبناني "وديع الصافي"، فأصبحت كالسكين التي غرزت في قلب العالم العربي المتألم، لكن سرعان ما اختفى اهتمامهم بالقضية، موجهين نظراتهم بالثورات التي قلبت رأس الدول العربية على عقبها.