غرفة من اسبست لا يمنع تسلل البرد الى داخلها، ومصباح من الكاز يبث ضوءاً خافتاً في المكان، وثلة من مؤسسي حركة حماس يتوسطهم الشهيد القائد أحمد ياسين، وقرار هام بإنتظار خروجه من إحدى الاجتماعات الدورية لمؤسسي الحركة.
القرار يتخلص في البدء بالعمل العسكري ضد الاحتلال قبيل انطلاقة حركة حماس رسمياً، وكان حينها العمل يتم تحت اسم "المجمع الاسلامي"، "لكن القرار يأتي في ظروف مليئة بالعثرات والمصاعب"، يقول أبو ماهر تمراز مؤسس أول تشكيل عسكري لجماعة الاخوان المسلمين في بداية الثمانينات بعد تكليفه من الشهيد ياسين.
"الشيخ ياسين قال سنبدأ العمل العسكري، وللوهلة الأولى جميعنا مع بداية العمل العسكري وقتال الاحتلال، لكن لا يوجد سلاح وليس من السهل الحصول على سلاح لأن من يملك السلاح، إما الاحتلال وإما التجار"، يتحدث تمراز لـ "شهاب".
غير أن ثمة معضلة في عملية شراء السلاح من التجار، فكانوا إما متعاونين مع الاحتلال أو قد يكونوا مدخلاً سهلاً للإيقاع بمن يشتريه، لا سيما وأن الاحتلال كان يحكم قبضته على قطاع غزة في تلك الآونة.
"لكن كيف يا شيخ رح نبدأ وما معنا سلاح"، قالها أحد الحاضرين للشيخ ياسين، غير أن ثمة ضرورة كان يراها الشيخ ياسين في البدء بتنفيذ عمليات ضد الاحتلال، فالأخير يمعن قتلاً وإرهاباً ضد الشعب الفلسطيني.
كانت خطة الشيخ ببساطة، تقتضي بتنفيذ أول عملية، يتم خلالها الاستيلاء على سلاح أحد الجنود الاسرائيليين، وهكذا يتم الحصول على السلاح الأول، لكن من أين السلاح لتنفيذ هذه العملية؟
في ظل أجواء الحيرة خلال الاجتماع، باغت الشيخ ياسين الحاضرين بالقول: "لي جار اسمه أبو فريد عنده مسدس ضايل معاه من حرب 48، بناخده ننفذ عملية ونستولي على سلاح أحد الجنود ونأخذه غنيمة وهكذا نحصل على السلاح".
كانت تلك الكلمات كفيلة ببث روح التفاؤل وزرع الابتسامة على وجوه الحاضرين، برغم عثرات الطريق وصعوبة التنفيذ على الأرض، لا سيما وأن هذه أول عملية ستقوم بها حماس التي لم تكن قد انطلقت بعد أو عُرفت بإسمها هذا.
أيام قليلة وكان الشيخ ياسين ورفاقه الحاضرين سجون الاحتلال بعد حملة مداهمة واعتقالات طالت العشرات من قيادات وكوادر الحركة، بتهمة حيازة أسلحة وتشكيل تنظيمٍ عسكري والتحريض على إزالة الدولة اليهودية من الوجود، فحُكم بالسجن لمدة 13 عاما.
"لكن اعتقال الصف الأول والمؤسس لم يمنع فكرة العملية الفدائية ضد الاحتلال، ولم يمنع مسدس أبو فريد من اطلاق رصاصاته صوب الاحتلال"، يقول تمراز، وتمت العملية بنجاح وكان تحقيق أمنية الشيخ ياسين باغتنام سلاح أحد الجنود الاسرائيليين.
أبو فريد يُدعى "جمعة عبد الملك أبو غالي"، رجل مسن كان صديق وجار الشيخ أحمد ياسين وصاحب بقالة ملاصقة لبيته في حي الزيتون، وكان قد تعرض للإصابة في حادثة اغتيال ياسين، وتوفي في شهر أيلول عام 2013، عن عمر يناهز 72 عاماً.
وكان بحوزته مسدس كان يقاتل به خلال حرب عام 1948، ولم يتردد في تقديمه للشهيد ياسين في بداية الانتفاضة الأولى