بعد سرقة بيته.. نعيد نشر ما قاله وديع فلسطين حصرياً لـ "أهل مصر"عن أسرار صديقه سيد قطب

كتب : عبده عطا

خمسة وتسعون عامًا قضاها كبير الأدباء "وديع فلسطين" عزيزًا كريمًا، لم يسجن يومًا، لم يتطاول على أحد؛ لكن النكبات توالت عليه واحدة تلو الأخرى، واشتدت وطأتها فى الأيام الماضية، حيث النكبة الأولى التى ألمت به، كانت إهانة موظف صرف المعاشات له، أما الثانية، التي وقعت صباح أمس الجمعة عندما اقتحم عدد من الملثمين منزله بهدف سرقة مذكراته التى كتبها عن الإخوان، والجوابات التي كان يرسلها له سيد قطب من أمريكا.

تلقى اللواء خالد عبدالعال مدير أمن القاهرة بلاغا من المقدم سمير مجدى رئيس مباحث قسم شرطة مصر الجديدة مفادها قيام مجهولين باقتحام شقة الأديب وديع فلسطين بدائرة القسم، وعلى الفور انتقلت الأجهزة الأمنية إلى مكان الحادث، وتبين قيام مجهولين باقتحام الشقة ليلا والتعدي عليه بالضرب وسرقة شقته.

وفى منتصف شهر نوفمبر الماضى أجرت "أهل مصر" حوارا مع سفير الأدباء "وديع فلسطين"، ويعتبر آخر الحوارت الصحفية له، والذى تم نشره على ثلاث حلقات، الحلقة الأولى تضمنت الحديث عن إهانة موظف التضامن له، أما الثانية فكانت عن رحلته الصحفية، والأخيرة فكانت عن سيد قطب وبعض أعلام عصره.

"وديع فلسطين".. لم تمض الأيام هباءًا على الأديب العربي، فقد ظل حريصًا طيلة حياته على أن يحقق الرضا لنفسه، من خلال التآخي بينه وبين قلمه الذي وصفه الكثيرون من الأدباء الذين عاصروه بالإنصاف فى كتاباته، لطالما تخلت عنه الدولة، ولكنه قال: "اليوم أنا راض عن نفسي، ولا أنتظر تكريما من أحد".

عايش الكثير من العصور، فكان مولده فى عهد الملك فاروق، إذ يعتبره من أزهى العصور التي عاشها ويتمنى أن يعود إليها اليوم، "لو عاد بى الزمن أتمنى العودة لعصر الملك فاروق، لأنه لم يكن يتدخل فى السياسة، وكان يترك الأمر بأكمله إلى الحكومة".

وعن ثورة 1952، التى أطاحت بالملك قال إنها "أساءت لمصر، وأثرت سلبًا على الدول العربية"، نافيًا عنه أيضا كافة ماقيل فى ذلك الوقت: "لا كان بيشرب خمرة ولا بتاع حريم، كلها شائعات وأكاذيب روج إليها بعض الأشخاص فى ذلك التوقيت".

"لا تهتم بالتواريخ لأنى لا أتذكرها".. كرر أكبر الصحافيين سنًا هذه العبارة أكثر من مرة خلال لقائنا معه، إلا أن الذاكرة التي يمتلكها هذا الشيخ تجود بالأسرار التي احتفظت بها على مدار قرابة قرن من الزمان.

يأخذنا الكاتب إلى حقبة أخرى من حياته وتاريخ مصر، والتي عاشها فى عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إذ يعتقد أنه لم يفعل شيئا للشعب: "عبدالناصر لم يفعل شئ للبلد، وكافة علاقاته مع الدول العربية كانت واهية".

ويواصل وديع فلسطين حديثه لـ "أهل مصر"، مشبها حكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات بسلفه عبد الناصر، فى كيفية إدارة الدولة داخليًا، كما يشيد بحكم مبارك، مؤكدًا على إصلاح ما أفسده الآخرون من الرؤساء السابقين.. ليختم كلامه عن محمد مرسي قائلا: "الإخوان خربوا البلد، ومن أسوء الرؤساء اللي حكموا مصر محمد مرسي".

بفيض منه يقص علينا "سفير الأدباء"، قصته مع سيد قطب الذي لم يفصح لأحد من قبل عنها "كنت صديقًا لـ«سيد قطب» فى بداياته، وكنا نعمل معًا بمجلة الرسالة، التى كان يملكها «حسن الزيات»، وكنا نلتقى دائمًا على إحدى المقاهي بوسط البلد، وفجأة أرسلته الحكومة المصرية لبعثة فى «سان فرانسيسكو» بالولايات المتحدة الأمريكية-أكثر الولايات تحررًا، فصدم بما شاهده فى هذه الدول، وعاد بعد 3 أشهر من بعثته، وكتب 3 مقالات بمجلة الرسالة تحت عنوان «الحضارة الغربية»، ومنذ ذلك الحين تحولت أفكاره، وهذه الرحلة قضت عليه".

ويستطرد "فلسطين" لـ "أهل مصر" قائلًا: كان سيد قطب فى هذه الفترة ناقدًا أدبيًا، وكان نزار قباني صديقًا لي فطلب مني أن أعرض ديوان شعره "طفولة نهد"، على سيد قطب كي يكتب عنه مقال، لكنه رفض لأنه "يحمل تجاوزات كبيرة".

تعود تفاصيل رحلته مع سيد قطب، بعد أن ذكر جزء منها قائلًا: "كان يرسل لي جوابات من (سان فرنسييسكوا) يطلب فيها أن أخبره عن حالة الأدب والثقافة فى مصر، وكنت أبادله التواصل، وبعد عودته تقابلنا صدفة على إحدى الشواطئ فى مصر لكننا لم نتحدث معا إلا عن طريق الإشارة لأنني أعلم أن الأمن يلاحقه".

"لم يكن سيد قطب من الإخوان فى بدايته، بل كان من أشد الناقميين عليهم".. قاطعته خلال حديثه بسؤال أجاب عليه وامتنع عن سرد باقي ذكرياته معه هل حزنت على إعدام سيد قطب؟ أومأ برأسه مطأطًا لأسفل.

وبدأنا نتحدث من حياته السياسية إلى "العاطفية"، يصحبنا الكاتب الكبير "وديع فلسطين" فى هدوء "عشقت زميلة فى الجامعة وكنت أعمل مترجم فى ذلك الوقت بمبلغ 8 جنيهات، وإذ أتفاجأ بأنها تركتني للارتباط بشاب أمريكي كان يتقاضى 2000 دولارًا فى ذلك الحين، وصمت قليلًا، قائلًا: "أعجبت بشخصية مي زيادة وكتبت عنها مقالات عديدة.. أحببتها فى صمت ولم أبوح بذلك" كنت كثير التردد على صالون مي زيادة، فكانت تمتلك شخصية قوية، وكانت مثقفة للغاية، ولكنني فى النهاية لم أبوح بإسمها فى أي مقال".

لم يكن وديع فلسطين الوحيد، الذي عشق مي زيادة فقد سبقه فى الغرام كثيرون، فكان "عباس العقاد" يعشقها بجنون، لكنها رفضت أن ترتبط به، والرافعي كان يعشقها أيضًا مع أنه أصم".

بعد حوار استمر لـ3 ساعات، ينهي سفير الأدباء كلامه بنصيحة للصحفيين من فيض نصائح قد قالها خلال لقائنا به: "نصيحتي للشباب الصحفيين، "الكاتب الموهوب، لا يهدر وقته فى اللاشيء، ويجب أن تكون له شخصية مستقلة، ولابد أن تتفهموا سياسات جرائدكم حتى تتمكنوا من نشر ما تريدونه".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً