في غرفة خافتة الأضواء، بأحد محلات تجارة الحيوانات الأليفة بـ«المحروسة»، تستقر «فيكي» (اسم مستعار لكلبة)، على أرضية باردة، تبعث وحوش الشتاء لتهاجم عظامها اللينة، النشاط والقفز وطلب الطعام، بات شيئًا نادرًا منذ شرائها للتزاوج والإنجاب، عندما كانت تخطو نحو العام.
التعامل مع الكلاب برعاية مغلفة بالحنية خلال فترة التزاوج، رحمة أكثر منها وسيلة، لضمان صحة جيدة للصغار، لكن صاحب محل الحيوانات الذي يمتلك «فيكي» أخذت يده تسقط على جسدها بالعصا تارة وبالركل تارة أخرى، مثلما يفعل معظم تجار الحيوانات الأليفة، إلى أن تحولت «فيكي» لكلبة تعاني من نوبات ذعر كلما حاول إنسان أو حيوان التقرب منها.
في إحدى الليالي التي كانت تقضيها شيرين يوسف، خريجة كلية تجارة جامعة القاهرة، في منزل صديقتها بالهرم، لمحت أعينها الكلبة المذعورة، ليدور بينها وبين صديقتها التي تماثلها بالعمر، حوار مطول كانت نهايته محاولة إنقاذ الكلبة وإيجاد متبنٍ، يوفر الرعاية النفسية والصحية لها.
بعد مفاوضات اتسمت بقليل من العنف، نجحت الفتاتان في إنقاذ «فيكي»، التي خضعت في ذات اليوم لفحص طبي شامل، خوفَا من وجود كدمات بجسدها، لكن العنف الذي تعرضت له، دفعها لمرض نفسي عانت منه لأكثر من عام، فكما تقول شيرين لـ«أهل مصر»: «الكلب لما يكون عنده حالة نفسية وخايف الذيل بيكون منخفض وبيدخل بين الأرجل الخلفية».
لم يكن انخفاض الذيل، هو العلامة الوحيدة للمرض النفسي الذي أصاب «فيكي»، فالخوف وعلامات الذعر ورفض الآخرين من حولها، كان مؤشرا جديدا في مرضها «فيه بنت اتبنت فيكي لكن قعدت سنة تحاول التقرب منها ومعاملتها بحنية لحد ما قدرت ترجع تتعامل نوعًا ما بشكل طبيعي، وتبطل تخاف من البشر والحيوانات»- حسبما وصفت شيرين.
على الحائط المجاور لأحد المساجد الواقعة بمنتصف شارع المعز، تحتمي قطة لم تكمل الـ3 أشهر، ذات شعر أصفر ناعم، من أرجل المارة، غير مدركة لما يجري حولها، بعد أن ولدت تعاني من مرض «متلازمة داون».
التقط أحد الزائرين للمسجد، صورًا للقطة، في اللحظة ذاتها عبر عن معاناتها وسط انعدام الرعاية، من خلال «بوست» نافس غيره من «البوستات» التي تتحدث عن تاريخ وحضارة شارع المعز في «جروب فيس بوك»، دشنه محبوه.
تعليقات عديدة من المنادين بحقوق الحيوان، رفعوا شارة الاستعداد، لتبني القطة المريضة، وتقديم كافة الرعاية الطبية والنفسية لها، نظرًا لما تعانيه من انخفاض مستوى الادراك، وتغير في شكل العين.
وفي إحدى المناطق الكادحة بـ«مدينة الألف مئذنة»، جلست القطة الشيرازي البيضاء، ذات الـ5 أشهر، بأحد الأقفصة الذي تتصاعد منها رائحة كريهة، بمحل «فراخ»، لاستخدامها وسيلة تسلية لأطفال صاحب المحل الصغار.
كلما مرت ندى نجيب، الفتاة العشرينية، من أمام المحل، دققت نظرها في القطة التي وصل بها الظمأ والجوع إلى عدم القدرة على الحركة، لكن الأطفال حاولوا أن يزيدوا من عذابها دون وعي منهم «صاحب المحل وأولاده معورينها بالسكاكين وطلبت منهم اشتريها بأي مبلغ لكن رفضوا»- حسبما وصفت ندى.
الدقائق تتسابق مع الساعات، لتمر الأيام سريعًا وتهرب القطة من ذلك القفص، تاركة خلفها صفحة لطالما أرعبتها كثيرًا، فتتذكر «ندى» ذلك اليوم الذي كان في إحدى ليالي الخريف الذي امتزجت فيه رائحة شتاء 2013 «القطة هربت دورت عليها ولقيتها وللأسف جسمها كان مليان جروح وصدأ وأخدت وقت طويل في العلاج»- طبقًا لروايتها.
بمجرد دخول القطة منزل ندى، شعرت بالأمان الذي فقدته لأشهر مضت، تاركة جسدها المنهك والمجروح يستسلم للنوم لمدة يومين، رافضة الطعام، لتظهر أعراض «التوحد» فور استيقاظها، فكما تقول ندى: «التوحد اللي عندها مش عدوانية، بالعكس مكنتش بتعرف تتعامل مع البشر نهائي، وأوقات كتير تقف تبص للحيطان لساعات طويلة في ذهول».
بالرغم من انقضاء أشهر على بقاء القطة بأحضان ندى ووالدتها، إلا أنها لم تكن قادرة على تلبية متطلبات نفسها، من تناول الطعام «مكنتش بتعرف تاكل لوحدها، لدرجة أنها لما اتجوزت وكانت بتولد معرفتش تولد إزاي وأنا اللي قعدت ساعات أساعدها لحد ما الموضوع عدى على خير».
منذ أن أصبحت القطة أما مصابة بالتوحد لعدد من القطط الصغيرة، وهي لا تشعر بالأمان إلا بالجلوس بالقرب من ندى، التي تقول: «من وقت ما ولدت.. احط ولادها في بيتهم، تروح تشيلهم وتحطهم على رجلي وتقعد هي كمان وكأنها بتخاف تبعد عني لتتعذب تاني وشايفة الأمان معايا».
المرض النفسي الذي تتعرض الحيوانات يتشابه بدرجة كبيرة مع المرض النفسي لدى الإنسان، كما يوضح الدكتور محمود رزق، استاذ الطب البيطري، موكدًا أن الحيوانات تتعرض للاكتئاب والوسواس القهري.
وأضاف في تصريح خاص لـ«أهل مصر» أن أعراض الاكتئاب يمكن أن تظهر من خلال ملامسة لسان القطط كثيرًا لشعرهن، مما يترتب عليه سقوط الشعر، والدخول في حالة من الحزن.
وأوضح «رزق» أن الوسواس القهري يظهر عند الكلاب من خلال عض الكلب لذيله بصورة مستمرة، مصحوبًا بعدم رغبته في التقرب من البشر، بجانب اعتقاده أن الحيوانات الأخرى تحاول اخذ مكانته عند الأسرة التي تحتضنه.
وأكد أستاذ الطب البيطري أن علاج المرض النفسي لدى الحيوانات، يحتاج إلى وقت، للتوصل أولًا لسبب المرض، ومن ثم محاولة إصلاح الوضع الذي قاد الحيوان إلى المرض النفسي، ويأتي في المرحلة الثانية استخدام العلاج، في حالة عدم القدرة على حل الأزمة بعيدًا عن العقاقير الطبية، مشيرًا إلى أنه يجب التأكد من عدم وجود إصابات صحية لدى الحيوانات قبل البدء في العلاج النفسي.
نقلا عن العدد الورقي.