قطرات الدماء لازالت دافئة على الأرض رغم برودة الشتاء، الصيحات الصادرة من المجندين الذين يحيطون بكنيسة "مارمينا" "نرجو من الجميع الابتعاد ممنوع العبور أمام الكنيسة خوفًا على سلامتكم"، التوابيت التي ترصت بجانب بعضها البعض، على أعتاب محل "التوابيت" الواقع أمام الباب الرئيسي للكنيسة، في خطوة لنقلها إلى "معهد ناصر" الذي احتضن الشهداء والمصابين، لنقل جثامين الشهداء إلى مثواهم الأخير، وسط كل تلك الأشياء التي عبرت عن حزن أهالي "حلوان"، أخذ الأطفال يلهون أمام كاميرات القنوات المصرية والأجنبيه، أملًا في الظهور الإعلامي.
في تمام الرابعة من عصر اليوم الجمعة، بعد انقضاء ما يقرب الـ5 ساعات على استهداف محيط كنيسة الشهيد "مارمينا"، على يد إرهابيين بحوزتهم أسلحة نارية وقنبلة، أسقطوا عدد من الشهداء والمصابين، بعد معركة تبادل طلقات الرصاص بينهم وبين الأمن المتواجد على بوابة الكنسية، لتسفر تلك الحادثة عن استشهاد أمين شرطة و6 مواطنين وإصابة 4 آخرين من بينهم أمين شرطة، في الوقت الذي قامت فيه عناصر الشرطة بقتل أحد الإرهابيين المتورطين في الهجوم، والقبض على آخر، أخذ الأطفال الهاربين من طلقات الرصاص وصيحات أهالى الشهداء إلى أحضان أمهاتهم بالنزول إلى شارع الكنيسة، يحاولون شرح ما حدث لكافة المارين.
جلس "مصطفي" صاحب الـ9 سنوات، على إحدى الأرصفة القريبة من قوات الشرطة التي تقف خلف "كردون" أمني على جانبي الكنيسة، يراقب الكاميرات التي يرقد أمامها الشهود العيان، الذي يرون كيف حدث الهجوم الإرهابي على كنيسة "مارمينا"، في محاولة منه للوصول إلى إحدى القنوات المعروفة إعلاميًا، فيقول لـ"أهل مصر" وعينه لازالت تراقب حركة المصورين: "أنا كنت بجيب فطار لأمي الصبح زي كل يوم جمعة، وفجأة سمعت ضرب رصاص فجريت على البيت ومعرفتش اللي حصل، وبعدها بساعات فهمنا إن كان فيه إرهابيين وناس من جيرانا في الشوارع اللي حوالينا ماتوا، أنا بقى نازل أقف جمب أي كاميرا عشان أتصور وأطلع في التليفزيون بس لأزم يكون برنامج معروف عشان أمي هتفرح لما أطلع على التليفزيون".
في الوقت الذي أخذ "مصطفى" يبحث عن وسيلة إعلام مشهورة يظهر من خلالها على شاشة الفضائيات، استطاع "عبد الخالق"، الطفل الذي تخطى حاجز الـ12 عام، أن يقفز وسط تجمع لأحد الشهود العيان أثناء محاولتهم شرح تفاصيل الهجوم الإرهابي، فأخذ يدفع الكاميرا إليه بأصواته العالية "أنا عارف اللي حصل وشوفت الإرهابي كمان"، لكن لم يعبأ أحد بما قاله، فتراجع مرة أخرى، وأخذ يبحث عن وسيلة ثانية.
يقول عبد الخالق لـ"أهل مصر": "ما الناس كلها بتتصور وبتحكي أي حاجة، وأنا لو اتصورت هتشهر بين أصحابي في المنطقة، عشان كده بغلس على الناس اللي واقفة وادخل وسطهم واتصور".
من عبد الخالق الذي يقف أمام "الكردون" الأمني، إلى "محمد" الذي مر على وقوفه أمام بوابة كنيسة الشهيد "مارمينا"، قرابة الساعتين "أنا هنا من أول ما الجو بقى هادئ والجثث والمصابين اتنقلوا.. كل ما حد يطلع بكاميرا اتصور جمب الناس اللي بتتكلم، ومرتب مع أصحابي يصوروني بالتليفون وأنا بتكلم عشان انشرها على النت"- حسبما وصف لـ"أهل مصر".
محمد الذي لم تظهر على وجهه علامات الفزع من دماء أحد الشهداء التي اغرقت سجاد محل "التوابيت" الذي كان يجلس به لحظة إطلاق أحد الإرهابيين رصاصة برأسه مباشرةً، أخذ يعبث بالتوابيت المتراصة على حوائط المحل الأربعة، في خطوة منه لمعرفة كافة تفاصيل المحل، فيقول: "الراجل اللي كان قاعد في المحل اتقتل ومخه طلع بره دماغه ده اللي سمعته لكن الدم أنا دخلت شوفته على السجاد وشوفت كمان التوابيت عشان لما حد يسأل أعرف أجاوب صح واتصور وأطلع في التليفزيون".