مبنى أثري مهدد بفقدان معالمه.. رئيس "المرشدين السياحيين العرب": لا يوجد اهتمام إلا بالأماكن المشهورة وهناك عجز في الميزانية.. والباعة الجائلين:" خايفين من قطع عيشنا بالميدان"

تحفة معمارية تغلب عليها الملامح الأوروبية، تمتاز بالفخامة والجمال المعماري، ولا يماثلها سوى ثلاثة أبنية على مستوى العالم، تتكون من خمسة طوابق، ويوجد بها أسانسير على الطراز القديم، والسلالم بها خشبية، تعلوها كرة تحملها أربعة تماثيل، تمنحها تميزًا عن غيرها من الأبنية، وأسفل هذه الكرة حجرة صغيرة الحجم مقيدة بالسلاسل والأقفال.

يعود تاريخ بناءها إلى عام 1895، ولم يشفع لها تاريخ المائة عام من الإهمال، أمتلكها فيكتور تيرنج خواجة يهودي نمساوي، والذي سميت العمارة على اسمه "تيرنج"، ومكتوب على الكرة الدائرية الحاملة للقبة اسم العمارة "TIRING" كانت من أكبر المتاجر متعددة الأدوار في ذلك الوقت داخل القاهرة بمنطقة العتبة.

نالت حينها عمارة "تيرنج" عناية كبيرة واهتمام عند بناءها حتى تصبح على شكل أشهر متاجر أوروبا، عكس ما يبدو عليها الآن من قسوة الزمان، الذي طمس الكثير من ملامحها الأثرية، حيث تحولت من عمارة أثرية إلى مجرد عمارة تجارية، تحتوي أركانها على ورش لتصنيع الملابس، ومخازن للمحلات المنتشرة في الموسكي والعتبة، ممتلئة بالكثير من الأسرار حتى لصاحبها الحالي، الذي اشتراها من الخواجة منذ 60 عامًا.

سكن بها الكثير من رجال الصناعة اليهود من أبناء مصر في ذلك الوقت، وذلك ما جعل البعض يطلق عليها عمارة اليهود، ولكن مع هجرتهم خارج مصر، هجرها الجمال والتألق المعماري، بتدهور رونق جدرانها الذي غلب عليه الكثير من أسماء شخصيات غير معروفة تكسوها الأتربة، فبعد أن كانت تحفة معمارية، أصبحت مهملة بإضاءة خافتة، وقمامة ناتجة عن سُكانها، حتى ظهرت أنها لا تمت للعراقة بصلة، غارقة وسط الباعة الجائلين.

وفى عام 1915 كان تحت إدارة "كارلو ميناسس"، وكان الجيش البريطاني الذي احتل مصر في ذلك الوقت فرض الأحكام العرفية على جميع الممتلكات التي تعود للأجانب من بلد العدو، ولكن في نهاية المطاف، تم منح مبنى "تيرنج" ترخيصًا مشروطًا للتجارة داخل مصر مع الإمبراطورية البريطانية، ولكن نظرًا لفقدانها مصادر الإمداد لمخزنها بسبب العزل عن الإمبراطورية النمساوية، تم تصفية نشاطها في عام 1920، وتجريد المبنى من أصحابه الأصليين، في وقت كانت تجاوز منافسيه بكثير مثل "شيكوريل، وصيدناوى، وأرورزديباك، وعمرأفندى".

يتواجد باستمرار داخل الأسانسير عم أحمد، الذي لا يستغنى عن خدماته المتواجدون داخل العمارة، فرغم أنه لا يعرف عنها الكثير، إلا أنه عبر عن مدى حزنه الشديد لما يراه بعينيه داخلها على مدار الأيام، وعبر عن ذلك بكلماته قائلًا، "هذه العمارة قديمة جدًا، وكان يسكنها الأجانب، وأصبحوا يأتون إليها لتصويرها فقط، وكان هناك فنانون يأتون للتصوير بداخلها، وأعرف إن هذه العمارة لا يوجد مثلها سوي ثلاثة في العالم كله".

ويقول محمد الصاوي أحد أصحاب الورش بالعمارة: "أنا هنا من حوالي 40 سنة، مفيش مسئول اهتم بتاريخ وعراقة العمارة، والإهمال بيزيد فيها يوم بعد يوم، وكل المعروف عنها أنها كانت ملك لليهود زمان في مصر، حتى صاحب العمارة مش بشوفه غير لما بيجي يأخذ الإيجار، وهو 20 أو 30 جنيه".

ومع المحاولات الكثيرة لإنقاذ العمارة، واستعادة مجدها، أو ما تبقى بها من أثر جميل، نجد أحد البائعين الجوالين أمامها يخشون ذلك كثيرًا، وقال أحدهم:"إحنا عايزين العمارة تتجدد، ويكون شكلها أفضل، بس خايفين يتقطع مصدر رزقنا من هنا، ويبعدنا الحي عن المنطقة".

قاطع حديثه بائع أخر، لم يتجاوز الثلاثين من عمره، "لو تم نظافة وتجديد العمارة، هتبقى أول خطوة لتجديد الميدان بالكامل، ويكون في نظام للبائعين سواء داخل الميدان، أو بتوفير مكان أخر مناسب لينا وللزبائن".

وقال فرج السيد الأمين العام لاتحاد العرب المرشدين السياحيين، أنه لم يتم الالتفات من قبل وزارة الآثار إلى المباني الأثرية المهجورة، ولا يوجد اهتمام إلا بالأماكن المشهورة فقط، فلماذا الإغفال عن تلك المباني رغم عراقتها وروعة أساسها.

وأشار "فرج" إلى قلة ميزانية وزارة الآثار، وربما هذا ما يعجزها، والدليل على ذلك مشاكل مرتبات العاملين بها، قائلًا: "فإذا كان هو حال الوزارة، فما بالك بحال المباني الأثرية الخاضعة لها".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً