أزهر سبورت.. الملاعب تحرر فتيات جامعة الأزهر من شائعات التشدد.. طالبات الكليات يكسرن نظرة المجتمع بفرق كرة القدم.. والمسئولون: البنت لا تقل عن الولد "فيديو وصور"

حلقت كرة القدم، كنيزك ملتهب، لا يملك إلا الارتطام بشباك المرمى، المستقر في نهاية إحدى ملاعب ستاد القاهرة الدولي، المقاعد المغطاة بالألوان الزاهية، المتدرجة بين رزقة السماء، واصفرار شمس غاربة عن الدنيا، لم تخلوا من الجماهير، الرجال، التي تصب أعينها نحو خطوات انثوية تتراقص بالكرة، خطوة تلو الآخرى، بينما تسارع آخريات لاصطيادها ورميها في الشباك، معلنة عن إحراز هدف، ينافس في عنفه وقوته أهداف الرجال في أعنف مباراة خاضوها.

بينما تعلو وتيرة التشجيع ذو الرائحة الرجولية، تكثف الفتيات، التي فضلن ارتداء "تيشرت" أسود يستقر شعار جامعة الأزهر على جانبه الأيسر، و"شورت" يعلو بنطال أسود كاتم، أما الحذاء، فلم يختلف عن "كوتشي" ذو مهارة عالية في التحكم بالكرة، ظهر كثيرًا في قدم أيقونة كرة القدم المصرية والدولية "محمد صلاح"، مجهودها، ركضًا وراء الكرة التي دفعتها غيرهن نحو شباك المرمي.

الإصرار على التحكم في الكرة ذات الوزن الثقيل، وتخطي لاعبات الفريق الآخر، ركضًا نحو المرمى، بمهارة وخفة، لم يكن ضيفًأ مؤقتًا في تلك المباراة النسائية التي خاضها منتخب كرة القدم من فتيات جامعة الأزهر الشريف، في الأولمبياد التي انطلق باستاد القاهرة، نهاية فبراير الماضي، بل هو عنصرًا أصيلًا اعتاد المدرب طارق عصمت، أن يذرع بذرته داخل فتيات فريقه، لينهي بذلك الفارق الذي يدفع المجتمع لمنع الفتيات من ممارسة الرياضة، إيمانًأ منهم أن الرجل يتمتع بمهارة جسدية، منعدمة بجسد المرأة.

نظراتها غير مستقرة، تتابع الكرة التي تتنقل بسرعة البرق بين أقدام الفتيات بنهم، لحظة حراستها للمرمى، فالانشغال لحظة عن حراسة المرمى، قد يكون سببًا في خسارة فريقها، فتصف أميرة محمود، الطالبة بالدفعة الرابعة كلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر، وحارس مرمي بفريق بنات الأزهر لكرة القدم، وظيفتها في المنتخب: «بقالي سنتين بلعب كورة قدم تبع منتخب جامعة الأزهر، ومركزي حارس مرمى».

الابتسامة المنحوتة بدقة على بشرتها القمحية، لم تخف المعاناة التي تشعر بها، فتروي: «مجرد ما الناس تلاقي بنت لابسة تيشرت لكرة القدم ومكتوب عليه جامعة الأزهر بنسمع إهانة، لأن الناس فاكرة الأزهر بعيد عن فكر المجتمع، والعكس تمامًا هو الصحيح، الأزهر دايمًا بيدعمني ويشجع كل بنت على النجاح».

حجم كرة القدم، في الوقت الذي يعاني منه جسد الفتاة من الضعف في كثير من الأحيان، لم يكن إعاقة في وجه "أميرة" التي تقول لـ"أهل مصر": "الشعب المصري مستغرب إزاي بنت تلعب كرة قدم، لأن الكرة نفسها تقيلة واللعبة صعبة وتحتاج مهارة وقدرة بدنية عالية، لكن البنت قادرة على النجاح دائمًا".

يختفي التشجيع الذي ينهال على مسامع "أميرة" لحظة تمسكها بـ"كرة" كادت تهز شباك المرمى، بمجرد دخولها المنزل، تصف تلك اللحظة، قائلة: «دايمًا يتردد علي مقولة واحدة (شوية وهتجوزي وتقعدي في البيت والكرة هتكون ماضي، لما نشوف آخرتها إيه معاكي في كرة القدم دي، ولذلك أوقات كتير بلعب من ورا أهلى وبفاجآهم أني كسبت شهادات وبيفرحوا بيا".

لم يختلف حال «أميرة» عن ندى سعيد فودة، عضوة في منتخب فتيات الأزهر، فالمعانأة لها نفس الملامح، والنجاح الذي تتقاسمه فتيات الفريق، له مذاق متشابه، فتقول: «بنات كتير جدا بتلعب كرة قدم، لكن الأزمة لا يوجد دعم مادي بشكل كبير ولا يوجد تسليط إعلامي، وكمان الأهل في بداية الأمر بيعارضوا فكرة لعب البنت للكرة، لكن بعد ما اللاعبة تحقق نجاح بيظهر الدعم من الأب والأم».

كلمة جامعة الأزهر المخطوطة على ملابس منتخب الفتيات، أثناء خوضهن لمباريات، تجعلهن عرضة لنظرات الاتهام، فتروي "ندى" تلك اللحظات بينما قدمها الرقيقة تداعب الكرة وتحركها بمرونة: «للآسف ناس واخدة فكرة إن اللي في جامعة الأزهر فكرهم متطرف ومتشددين في الدين ولازم نلبس خمار ونقاب، لكن في حقيقة الأمر احنا ديننا وسطي والأزهر الشريف بيدعم مواهبنا وبيدعمنا، وأنا بحلم بالاحتراف والحجاب مش مشكلة في إني ألعب برة مصر، لإن فيه بنات كتير احترفت ومحجبة».

التصفيق حدته تتصاعد، بينما تجري الفتيات بالملعب خلف الكرة، التي تعد جزءً من اللعبة التي طالما كانت سببًا في هروب العديد من الطلاب من المدارس، بحثُا عن حلم خوض مباراة عنيفة بإحدى شوارع القاهرة الهادئة، فتروي ثريا مصطفى كامل، قسم لغة عربية كلية دراسات إسلامية، لاعبة هجوم شعورها من نظرات المشجعين: «أنا بستغرب أن الناس فاهمة اننا جامعة منفصلة عن الواقع، في الوقت اللي جامعة الأزهر كباقي الجامعات تشجع طموحات الطلاب والطالبات».

ترتدي "ثريا" ملابس تشبه ما يرتديه لاعبو كرة القدم، أملًأ في القدرة على التحكم بالكرة، فتقول: «الملابس التي نرتديها أثناء اللعب، زي أي ملابس للاعب كرة مفيش فرق، وبنكون لابسين الحجاب، لأن مش هنلعب بالجلباب أو العباءة، والدين الإسلامي لم ينهي عن ممارسة الرياضة، والرسول قال: علموا أولادكم السباحة والرمي والفروسية».

الكرة في منتصف الملعب، الأجواء هادئة، التصفيق الحاد، أصابه الخمود، حبات العرق بدأت تظهر على جبين الفتيات، الحكم بدأ في العد التنازلي، معلنًا صافرة البداية، لتنطلق شرارة عشق «نهى حاتم رمضان»، الطالبة بكلية أصول دين جامعة الأزهر، لكرة القدم، تعلن عن استعدادها لأخذ دورها في الدفاع.

نظرة المجتمع لم يلق بـ"نهى" صاحبة الـ21 عامًا، على قارعة الطريق، دون أن تتهمها بالخروج عن العادات والتقاليد، فتروي لـ"أهل مصر": "المجتمع أكبر مشكلة، لأنه يرفض لعب البنت لكرة القدم، بحجة إنها للولاد فقط، لكن العلم اثبت أن المرأة قادرة على القيام بما يفعله الرجل من مجهود، وتفوز عليه بـ10 أضعاف كمان».

لم تغفل "نهى" عن احتياجها الشديد لكلمة دعم من أهلها، فتقول: «الأهل عليهم دور كبير في التشجيع، وفي بداية لعبي لكورة القدم والدي كان بيشجعني بشكل كبير لكن أمي كانت دايمًا تعاتبني وتقولي (انا مش مخلفة 4 ولاد انتي بنت لازم تبعدي عن الكرة، والأمر تطور مرة أنها تقولي مش هتروحي الجامعة تاني عشان تمنعني من التمارين، لكن لما أصريت وكملت، أمي فرحت بيا وبقت تشجعني، وبحاول أطور نفسي من خلال مشاهدة المباريات على الإنترنت».

على الرغم من أنها فتاة في فريق منتخب كرة القدم لفتيات الأزهر، إلا أنها تتابع مباريات الرجل لحظة بلحظة، فتقول: «أنا بتابع كل المبارات الخاصة بالرجال، وبتعلم من الولد الثبات في اللعب وأهم حاجة لنجاح البنت في كرة القدم هو الثقة بالنفس».

رغم النجاح الذي حققه منتخب فتيات جامعة الأزهر، خلال المباريات اللاتي خضنها الفترة الماضية، تظل الدهشة من لعب فتاة لكرة القدم، وحدها ما تظهر على وجوه كل فريق يواجه فتيات الأزهر في مباراة ودية أو منافسة، فيقول الدكتور طارق عصمت، استاذ كلية التربية الرياضية جامعة الأزهر، ومدرب منتخب الجامعة من الفتيات، «الجامعات الأخرى تعتقد أن فريق كرة القدم المكون من طالبات الأزهر غير قادر على تقديم أداء متميزا أثناء اللعب، لكن في مباريات أسبوع الجامعات اللاتي دخلته الفتيات السنة الماضية في الإسكندرية، فزن بالمركز الثاني، وظهرت قدرتهن على اللعب ومهارتهن».

لم ينكر مدرب منتخب فتيات الأزهر، ضعف جسد الفتيات مقارنة بالرجال، فيروي سر قدرة الفتيات على تحمل مشقة ممارسة كرة القدم: «كرة القدم الخماسي تحتاج قوة، والبنات أجسامها ضعيفة لكن مع التمارين، يتكون لديهن قدرة على ممارسة كرة القدم بمهارة، وهذا ما حدث مع فتيات منتخب جامعة الأزهر، حيث استطعن خوض مباراة مع فريق أولاد وتفوقن عليهم».

أسرة فتيات منتخب الأزهر، كغيرها من الأسر المصرية، ذو التفكير الشرقي، فيصف "عصمت" الصراع الذي تخوضه الفتيات مع أسرهن: "المشكلة اللي بتواجه بنات الفريق هي اعتراض الأب والأم على لعب كورة القدم، لأن أغلبهم من الأرياف، ولهذا نضطر لعمل لقاءات مع أولياء الأمور واصطحابهم إلى المعسكرات في بعض الأحيان، لمتابعة التدريبات والتأكد من تمتع الفتيات بالمهارات التي تؤهلهن للعب كرة القدم".

لم يخلو منتخب الفتيات من وجود سيدة، قادرة على متابعة أداء الطالبات، وبث الحنان والأمان بقلوبهن، بعد كل نظرة استعجاب تعثر عليها الفتيات في أعين المشجعين، فتقول عبلة، رئيسة النشاط الرياضي في جامعة الأزهر فرع البنات: «أهالي البنات فخورين بنجاح الطالبات في الألعاب الرياضية، والجامعة تقوم بتذليل كافة العقبات والمشاكل التي تواجه الفتيات في رفع مستواهم الرياضي في كورة القدم والطائرة والسلة واليد والألعاب الفردية وكاراتيه وكنغوفو وتنس طاولة».

اعتاد الأزهر على دعم طلابه فكريًا وثقافيًا، لكن مع مستجدات العصر، حصل طلاب الأزهر على التشجيع الذي يضع أقدامهم أعلى سلالم النجاح، فتقول "عبلة": «الأزهر طول عمره بيدعم البنات لكن مع زيادة طموح الفتيات، زاد الدعم، وازداد عدد الأنشطة، وعندنا فريق كرة القدم مكون من 30 بنتا، و50 طالبة في الكرة الطائرة، و60 طالبة بفرق السلة».

يرغب القائمين على تشجيع الفتيات ودعمهن، في زيادة ميزانية جامعة الأزهر، لدعم مهارة الفتيات أكثر مما وصلن إليه، فتقول "عبلة": "قلة الميزانية مشكلة تواجه القائمين على النشاط الرياضي بفرع جامعة الأزهر للفتيات، مقارنة بقيمة الميزانية التي يحصل عليها المدربين والحكام بالجامعات الأخرى».

نقلا عن العدد الورقي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً