"المحاكم البلدية".. الاقتراح ليس الأول من نوعه؛ ولكنه يأتي في وقت عصيب تشهد فيه مصر العديد من حوادث انهيار العقارات، إما لصدور قرارات إزالة لم تنفذ أو لمخالفة المبني لشروط البناء.. كما يأتي الاقتراح في وقت تشهد فيه مصر حاليا، جدلا واسعا حول قانون التصالح في مخالفات البناء المزمع الانتهاء منه قريبا أو إصداره للمساهمة فيما يسمى تعظيم موارد الدولة - فيما هي الشروط هذا التصالح كما يراها رجال القانون.
مشروع القانون
الاقتراح قدمته لجنة وزارة الإسكان بمجلس النواب، بإنشاء محاكم متخصصة لنظر منازعات البناء والإسكان والمخالفات التي سيتم تسويتها بعد إقرار قانون التصالح فى المخالفات، وتكون هذه المحاكم على غرار محاكم الأسرة والمحاكم الاقتصادية.
وخاصة بعد رصد إجمالي مخالفات في البناء على مستوى محافظات الجمهورية وصلت إلى مليون و700 ألف مخالفة، واحتلت محافظة الدقهلية المركز الأول فى عدد المخالفات والجيزة والقاهرة، واحتلت محافظات الصعيد المراكز الأخيرة فى الترتيب - وفقا للنائب محمد إسماعيل أمين سر لجنة الإسكان.
وكشف «إسماعيل» أن إجمالي الغرامات والدخل الذي سيتم تحصيله سيدر إلى خزينة الدولة من قانون التصالح فى مخالفات البناء الذي تنتظره اللجنة يتراوح من 100 مليار إلى 150 مليار جنيه ولابد من الإسراع في الانتهاء منه حتى نواجه التحديات التى تواجه الدولة المصرية وتستطيع الوفاء بالتزاماتها.
ولفت "إسماعيل" أن فلسفة إنشاء محاكم متخصصة لمخالفات ونزاعات البناء نظراً لحجمها الكبير، وأنها لن تنتهي وتقتضى العدالة الناجزة والقضاء على ظاهرة العشوائيات وحتى لا تسقط المخالفات.
تجارب سابقة
محكمة البلدية لم تكن جديدة أيضا في مصر، في عام 1950 تم إنشاء محكمة جديدة لقضايا المحليات باسم محكمة بلدية القاهرة لتزيد قوائم المحاكم اسما جديدا، ويرجع الفضل في إنشائها إلى أنيس باشا سراج الدين.
ومنذ بداية عمل المحكمة آلت إليها تركة ضخمة مثقلة بالقضايا، ففى خلال عام 1951 حرر في القاهرة 39000 محضر مخالفة، 3000 محضر جنحة، 6000 مخالفات الأجهزة اللا سلكية، وكان يحكم على أغلبها بالغرامة بالحق المدنى للبلدية حتى إنه كان يمكن التحايل للإفلات من هذه الأحكام، فلما أنشئت بلدية القاهرة كان لا بد من إنشاء محكمة لقضاياها يلحق بها قلم التنفيذ لتجمع ديونها لدى المخالفين.
يقول عصام مخلوف رئيس محكمة جنايات الجيزة، إن هذه الظروف تكررت سابقا، وتم تشكيل محاكم بلدية لذات الأسباب وكان لها نيابة متخصصة ولكن التجربة انتهت بتقديم عدد من الموظفين للمحاكمات لما شهدته من انحرفات ومخالفات عمدية أو بطريق الخطأ، وتم توزيع اختصاصتها على المحاكم الأخرى البديلة، لذا يجب دارسة الأسباب التي أدت إلى انهيار حتى لا تتكرر ذات المخالفات والانحرافات في التجربة القادمة، بعد أن شهدت التجربة القديمة كثير من الانحرفات والتلاعب الموظفين واستدراج بعض القضائيين لهذه الانحرفات، وإلا فإن المحاكم الحالية التي تشهد هذه القضايا هي الأولى بنظرها.
وأضاف رئيس محكمة جنايات الجيزة، أن أهم الأسباب التي ادت إلى تدهور التجربة فى السابق تتمثل فى الأموال الهائلة التي كان يتم تحصيلها من المخالفات البناء، وأصحاب النفوس الضعيفة التي تعاملت مع هذه المخالفات ورأت أن فوز البعض بهذه الأموال أهم من تأدية عمله الذى اسند إليه من قبل الدولة بأمنه وإخلاص.
وأوضح "مخلوف"، أن خطوة إنشاء محكمة للبلدية فكرة جيدة، وكانت قائمة منذ سنوات طويلة، موضحا أنه كلما كان القضاء متخصصا كان أكثر دقة وتوحيدا للمفاهيم القانونية، وسيكون التطبيق موحدا على حالات المخالفات، مشيرا إلى أن المحكمة ستتولى الفصل في كل الدعاوى الخاصة بالأحوذة العمرانية مثل الطعن على قرارات الهدم، والامتناع عن إصدار التراخيص، وكل ما يتعلق بمخالفات البناء.
محاكم مؤقتة
فيما يرى مصدر قضائي مسئول، أن هذه المحاكم كانت تتشكل من قاض جزئي وأمين سر ونيابة متخصصة وكانت تقوم بنظر قضايا مخالفات البناء فقط، للعمل على سرعة انجازها واعتقد أنها ستكون محاكمة مؤقتة يتم الانتهاء منها بمجرد حل هذة المشاكل وتخفيف دعاوي مخالفات البناء، مشيرًا إلى أن الدولة أنشأت فى السابق محاكم عمال جزئية ونتهت أيضا بمجرد الحد من القضايا.
وقال الخبير القانوني طارق نجيدة، إن هذه المحاكم ستحتاج إلى عدد من الخبراء والمهندسين الذين سيقومون بمعاينة المباني المخالفة لذ انها ستحتاج إلى تشكيل جديد يرعى هذه المسالة من بحيث يتوافر هؤلاء الخبراء بتلك المحاكم مثلما يحدث فى المحاكم الاقتصادية حتى لا تتأخر القضايا بحيث يم اعطاء الخبراء مدة لا تتجاوز مدة محددة لانجاز الدعوى.
وأضاف «نجيدة»، أنه يجب مع التقدم التكنولوجي والتطور الزمني أن يستعين قضاة هذه المحاكم بأجهزة كمبيوترمزودة ببرامج تتضمن تاريح أنشاء هذة المباني وادخال المرافق لها.. لأن هذه سيفيد القاضي في التحقيق مما يثيره الدفاع فى هذه الدعاوي بسقوط هذه القضايا بالتقادم، لأن تاريخ انشاء هذا المبنى سوف يحسم هذه المسالة فورا بدون خبير مما يعني تفرغ الخبراء للنواحي الفنية فقط.
وذكر أن التصالحات فى مخالفات البناء ليس جديدا، خاصة وأن التصالح تم فى جرائم الأموال العامة.. ولكن يتم التصالح بشرط عدم الإخلال بالمسئولية الجنائية، التي يشترط فيها الحي بالتضامن مع المهندس الاستشاري، ومدير منطقة الاسكان، الذي وافق على الرخصة بعد اختيار الأساسات.
وأوضح أن وجود محاكم بلدية متخصصة يعني التعامل مع المحاليات فى ظل تفرع 35 ألف مقعد من المجالس الشعبية، أى انك مضطر للتعامل مع موظفي المحليات، دون أن نجد نائبا فى المجالس الشعبية ترفع الية أى شكاوى لمساندة المتقاضي أمام الموظفيين.
وتابع أنه يجب قبل ذلك وبعدة تفعيل قانون السلطة القضائية بالاستعانة ببعض أعضاء هيئة التدريس بالجامعات والمحامين للعمل فى القضاء لحل مشكلة بطء إجراءات التقاضي.
نقلا عن العدد الورقي.