فتح بيان صندوق النقد الدولي بشأن أعمال المرجعة الثالثة لخطة الإصلاح الاقتصادي والتي جرت خلال الفترة من 2 إلى 17 مايو الجاري، حالة من الجدل في الأوساط الاقتصادية في مصر، خاصة فيما حمله البيان من مفاجآت مثيرة تنذر بحلول أزمة طاحنة فيما يتعلق بتخفيض الدعم وخاصة دعم المواد البترولية بمشروع الموازنة الجديدة.
وتستهدف مصر الحصول على الشريحة الرابعة من قرض صندوق النقد الدولي، البالغ قيمته نحو 8.597 مليار وحدة حقوق سحب خاصة تعادل 12 مليار دولار، وباستكمال هذه المراجعة سوف يتاح لمصر الحصول على 1432.76 مليون وحدة حقوق سحب خاصة تعادل نحو 2 مليار دولار، ليصل مجموع المبالغ المنصرفة في ظل البرنامج إلى حوالي 8 مليارات دولار أمريكي.
واستبعد الخبراء والمحللون قدرة الحكومة المصرية على تحقيق فائض أولي في الموازنة العامة بعد استبعاد مدفوعات الفائدة في 2017/2018، بسبب ارتفاع فاتورة دعم المواد البترولية بالموازنة عقب ارتفاع أسعار النفط مؤخراً، فى حين يستهدف مشروع الموازنة الجديدة للعام المالي 2018/2019 تحقيق فائض أولي يبلغ 2% من إجمالي الناتج المحلي، الأمر الذي يضع دين الحكومة العامة علي مسار تنازلي، وهو ما لن يتم تحقيقه بدون تخفيض دعم الوقود بالموازنة.
المفاجأة الأبرز في بيان صندوق النقد الدولي، تمثلت مطالبة الحكومة المصرية بضرورة إصلاح دعم الطاقة للوصول إلى مستويات أسعار استرداد التكلفة لمعظم منتجات الوقود خلال 2019، الأمر الذي ينذر بكارثة كبيرة في حالة تحرير أسعار المنتجات البترولية لمستويات الأسعار الحالية للنفط، والتي تقترب من حاجز الـ 90 دولار للبرميل، والتوقعات بصعود أسعار النفط فوق مستوى الـ 100 دولار خلال عام 2019، بما ينذر بموجة تضخمية كبيرة.
من جانبها أكدت رضوى السويفى، رئيس قسم البحوث بشركة «فاروس» القابضة للاستثمارات، أن ارتفاع أسعار النفط عالميًا والتي وصلت إلى 80 دولار للبرميل، سيودى إلى زيادة أعباء الدعم على الحكومة خلال الفترة القادمة، موضحًا أنه كان من المستهدف أن يكون الدعم على المحروقات لا يزيد عن 90 مليار جنيه، لافته أن هناك عقبة أن تلك الأرقام وضعت على أساس أن سعر البرميل هو 67 دولار.
وأضافت «السويفي» في تصريحات خاصة أن ارتفاع أسعار الوقود سيكون على حسب المنتج، وستتراوح نسبة الزيادة المرتقبة في أسعار الوقود بنحو 25 % إلى 40%.
ولفتت رئيس قسم البحوث بشركة «فاروس» القابضة للاستثمارات، إلى أن تأثير ارتفاع النفط على الموازنة، ستكون من خلال المعادلة حيث كل دولار في البرميل يرفع تكلفة دعم الوقود بنحو التكلفة 4 مليار جنيه على الحكومة، وهو أكبر تحدى للحكومة لخفض عجز الموازنة.
وأشارت «السويفي»، إلى أنه يمكن تحقيق فائض أولي هذا العام، ولكن من الصعب أن يكون 2% كما كان مخطط له، إلا إذا ارتفع فيمكن تحقيقه بنسبة 0.5 % أو 1% بحسب أسعار النفط، و الانخفاض على الدعم المحروقات المرتقب في يونيو ٢٠١٨.
أما رئيس قطاع البحوث والدراسات العالمية بمجموعة «مباشر» للخدمات المالية، سكرتير عام الجمعية المصرية للمحللين الماليين وخبراء الاستثمار «CFA SOCIETY EGYPT»، فأكد أن ارتفاع أسعار البترول عالميًا من 67 دولار إلى 80 دولار للبرميل يوثر سلبًا على موازنة الدولة، موضحًا أن حجم رفع الدعم سيكون زائد عن المتوقع.
واستبعد «الألفي» تحقيق فائض أولي بالموازنة الحالية كما كان مخطط لذلك، موضحًا أن الفرق في أسعار النفط عالميًا سيرفع عجز في الموازنة التي تتجه الدولة لتغطيتها.
وأشار رئيس قطاع البحوث والدراسات العالمية بمجموعة «مباشر» للخدمات المالية، أنه يمكن تغطية العجز الذي يصيب الموازنة من ارتفاع أسعار النفط عالميًا، من خلال زيادة الإيرادات الداخلة للدولة، عن طريق زيادة كفاءة الضرائب، خاصة أن هناك جزءا من الدعم سيرتفع مع زيادة أسعار بعض السلع، والتي تم وضعه في الموازنة الخاصة بالدولة، بالإضافة إلى زيادة الاستيراد المحلي.
وفى السياق ذاته أكد إسماعيل حسن، محافظ البنك المركزي المصري الأسبق، أن ارتفاع أسعار النفط عالميا من 67 دولار إلى 80 دولار، لن يوثر على الموازنة العامة للدولة، ولا حجم الدعم على المحروقات.
وأضاف حسن في تصريحات خاصة، أن النفط من السلع الغير مستقرة دائمًا، متوقعًا أن الأسعار ستعود إلى حالها القديم بعد فتره من الزمن، وبذلك لن يكون هناك تأثير واضع على حجم الدعم.
وكان صندوق النقد الدولي قد أعلن، في أخر زيارة لمصر منذ أيام، تراجع المعدل السنوي للتضخم الكلي من 33% في منتصف 2017 إلى حوالي 13% في إبريل، مرتكزًا على السياسة النقدية التي يضعها البنك المركزي المصري وفقا لمعايرة دقيقة، موكدًا أن البنك المركزي المصري لا يزال ملتزمًا بتخفيض التضخم إلى معدل من رقم واحد في الأجل المتوسط.
وأوضح الصندوق في تقرير المراجعة الخاصة به، أن السياسة النقدية لمصر ترتكز على نظام سعر الصرف المرن الذي يشكل أهمية بالغة في الحفاظ على القدرة التنافسية والتكيف لمواجهة الصدمات الخارجية، ولا يزال القطاع المصرفي في مصر يتمتع بمستوى جيد من السيولة والربحية ورأس المال.
نقلا عن العدد الورقي.