مع انطلاق العام الدراسي وزيادة الطلب على المستلزمات المدرسية من كتب وكشاكيل، تجولت "أهل مصر" داخل أروقة منطقة "سوق الليمون" بالمحلة العتيقة، لتجد مطبعة "آل طاهر"، المبنى الضخم المكون من دور واحد ذي الأبواب الخشبية، يعود تاريخ إنشائها لإنشاء شركة مصر للغزل والنسيج، في عام 1927م.
يقول الحاج "أحمد طاهر"، صاحب المطبعة الحالي: "ورثت تلك المطبعة عن أبي وعمي وجدي، و كانت المطبعة في نظر الكثير وقت إنشائها كحال نظيراتها في العالم أجمع، لا تتخطى كونها مجرد آلات صماء، لكن جدي كان يراها أداة تنويرية تسهم في نشر الثقافة، وتتكامل في حبكة حضارية، تمثل معها مرجعًا تاريخيا وعنوانا لمد جسور التواصل بين شعوب العالم، إذ أنها تحفظ قصصا وأحداثا وثقافات، كثيرة ومتنوعة".
وأضاف " طاهر"، أنه لا جدال في أن المطابع، لعبت دورا جوهريا في تأسيس قاعدة نهوض فكري وحضاري واجتماعي نوعي، واستمرت حافظاً لتاريخ النهضة، وأمدت الناس بقدرات مذهلة على نشر الثقافة وتعميم الفكر المتنور، فكانت المطبعة انطلاق نهضة التنوير من هنا لم يخل أي مطبوع أو كتاب في قطر الدلتا بالكامل من ختم المطبعة.
وتابع: "بدأنا طباعة الكتب الصغيرة والمدونات، وبعدها أخذت المطبعة توكيل طباعة السجلات الحكومية، فأصبحنا مختصين بطباعة سجلات الضرائب والفواتير لكبرى الشركات الحكومية، أو بمعنى أصح تعاقدنا على طباعة كافة مستلزمات القطاع العام سواء المجالس المحلية أو المدارس، وتفتق ذهن جدي لفكرة طباعة الكراسات والدفاتر في الستينات والسبعينات".
وأضاف "طاهر"، عندما كنت صغيرا بالمدرسة كان ينتابني الفخر، كون كل زملائي يحملون ذلك الدفتر باللون الأخضر أو الأحمر، الذي يشبه غلافه "ورق اللحم القديم"، ومطبوع عليه مربع باللون الأسود، كتب داخله الإسم والفصل وأسفله مطبعه آل طاهر، في ذلك الوقت علمت أهميه دور تلك المطبعة التي لولاه لم يجد الكثيرين من أبناء المحلة الدفاتر للتعليم.
اعتمدت مصر فيما مضى على الآلآت اليدوية، والتي جسدتها الكثير من الأفلام العربية القديمة، وخاصة الماكينات الألمانية والأرمينية، والتي أعتمدت بشكل كبير على العامل البشري، وكان من الصعب استقطاب فنيين ومهندسين؛ للعمل على صيانتها وخاصة أن إقليم الدلتا في ذلك الوقت كان نائي جدًا عن الحضر في القاهرة والأسكندرية، فيتعلم بعض من أفراد الأسرة الصيانة؛ لاستمرار عملية الإنتاج، وبعد ظهور الكهرباء بدأنا في استيراد الماكينات الضخمة، والتي تعمل حتى الآن بالداخل، وأشار لأحد العنابر الصغيرة الموجودة خلفه.
وأخذنا "طاهر" في جولة داخل ذلك العنبر القديم بماكيناته الغريبة، التي لم يرها معظم العاملين بمكاتب التصوير الحديثة، قائلاً تلك الماكينة صممت خصيصاً لترقيم الأوراق حيث تحمل لوحة قديمة عليها الأعداد ومزودة بخاصية سحب الهواء من أحد الأنابيب، تتحرك الورقة لتأخذ رقم وتخرج من الناحية الأخرى، فعلى الرغم من سرعتها إلا أنها تعمل بسرعة كبيرة لذلك لا يعمل عليها إلا متخصص، أما تلك الماكينة على اليسار فهي لطباعة السجلات الخاصة بالضرائب والدفاتر المدرسية، ولتجميعها وتغليفها.
أما في تلك الغرفة وأشار لأحد الغرف الصغيرة نضع آلتي تصوير حديثة؛ لمواكبة العصر، كما أن بعض المطبوعات الحديثة لا تتماشى مع نظام المطبعة القديمة، وبعد أن قل العمل الخاص أصبحنا نجمع كراسات وأوراق لمصنع أوسكار، كما أدخلنا نشاطات عدة، منها الإتجار فى الأدوات المدرسية، والكتب الخارجية وكتب الأطفال والتلوين لمواكبه العصر، كما أن مكاتب التصوير طغت وجارت على عمل المطابع القديمة، فالعمل والجهد على كتاب بالمطبعة، يستغرق فترة كبيرة، أما مكاتب التصوير قد لا يستغرق الموضوع أكثر من نصف ساعة، كما أن زيادة الأسعار لم تتوقف عند أسعار طن الورق فقط، بل امتدت للأحبار ومستلزمات كثيرة، فالمطبعة تطبع الكتب المدرسية، هي الأخرى كمثيلاتها في القاهرة وغيره، إلا أن الأزمة الطاحنة التي تتعرض لها الأسواق تلك الأيام تنذر بالشؤم على المطابع عامة، وليست مطبعة طاهر فقط.
نقلا عن العدد الورقي.