على الرغم من مرور 45 عامًا على نصر أكتوبر، إلا أن حكايات تلك الحرب لن تنتهى، تروي قصص البطولة لأبناء المؤسسة العسكرية منذ عام 64 وحتى الآن، بل إنها ضاربة في جذور التاريخ منذ عصور الفراعنة.
الفترة من 64 إلى 73 كانت حبلى ببطولات لا تنتهي، مثلت المخاض لانتصار أكتوبر على أيدي أبناء الوطن المخلصين.
من هؤلاء الأبطال الرقيب مجند عبد الخالق أبو الجود، ابن المحلة الكبرى، والذي تجاوز حاليًّا الخامس والستين من عمره، بدأ كلماته لـ"أهل مصر" قائلاً: عندما تقدمت للتجنيد عام 64 لم يحالفنى الحظ، ولكن كنت من ضمن 1000 عسكري احتياط، وعدت إلى المحلة أجر أذيال الخيبة؛ وذلك لأن الجندية كانت شرفًا، ورجعت كما كنت موظفًا في شركة مصر، وتزوجت وأنجبت نجلي أحمد، حتى كان عام 65، فبعد انتهاء عملى، خرجت كالعادة عائدًا لبيتى، فوجدت اسمى معلقًا على لوحة المطلوبين للتجنيد، حيث كان الجيش يتواصل مع الشركة فى تلك الأمور، وأعددت العدة كى أسافر لقضاء خدمتي.
وتابع "أبو الجود": التحقت بالكتيبه 266، اللواء 22 مدرع مشاة ميكانيكا، وكان ذلك اللواء مستحدثًا، لم يلتحق به أحد سوى دفعتى، وتحت قيادة العقيد أحمد عبد العزيز قبيل، والد وزير الصناعة والتجارة السابق المهندس طارق قبيل، وكنا تعزيزًا للقوة الأساسية، فعند حدوث الثغرة فى الجيش، كنا من نحمى مؤخرة الجيش؛ حتى لا يتم ضربه، فكنا مقابلين لليهود على الضفة، وقضينا 120 يومًا فى الجبهة، حتى ألحقونا باللواء 119.
أما بالنسبة لكواليس الحرب، فلم يتم إبلاغنا بالحرب حتى يوم قيامها، إلا أننا قبل العبور بعشر أيام، أخذنا القائد لعمل مناورة بين لواء آخر كنوع من التمويه بأن مصر لن تحارب، ولكن عندما رأينا الطيران المصرى يخرج الساعة 2 إلا خمس دقائق ويعبر الضفة الأخرى، ويعود، قام الجميع بنفخ القوارب وإلقائها فى المياه، انتبانا نفس إأحساس التلاميذ وقت فتح بوابات المدارس.. صياح وصرخات وتكبير، على الرغم من سقوط 3 أو 4 طائرات، ولكننا ظللنا على ضفة القناة لحين التطهير. وعندما عبرنا للضفة الأخرى لم نجد إسرائيليًّا واحدًا، ومن الطريف أن قائد الدبابة المرافقه لكتيبتى، عندما هبط منها تساءل باستغراب "هما فين؟"، وأخرج علبه سجائره، وأشعل سيجارة، وأخذ يتمشى على الجبهة.
وأضاف أبو الجود: قضينا 120 يومًا فى الحصار كما ذكرت، وعلبة الطعام التى كانت تكفى الفرد يومًا واحدًا، قسمناها على خمسة جنود، ولكل فرد لتر من الماء للشرب والوضوء والاستحمام، ولكن المصرى لا يغلب، ولأن الحاجة أم الاختراع، قمنا بتحلية مياه البحر بطريقه بدائية، حيث كنا نملأ خزانات وقود السيارات المضروبة بماء البحر، ونصنع ما يشبه "الكانون" بالكاوتش، ونبدأ في تكثيف المياه، وتمريرها في أنبوب ردياتير سيارة قديمة، وبتلك الفكره حلينا المياه، وتناقلتها الوحدات الأخرى.
وتابع: اعتاد بعض الجنود الحديث الإسرائيليين السخربة منا أثناء الثغرة والحصار، لنقص الطعام والمياه، لكننا كنا نملأ حاويات المياه، ونفرغها على الأرض أمامهم، ونضع الحجارة في علب الطعام، ونلقيها فى البحر؛ كى لا يشعروا بنقص المؤن، لكن ما كان يعزز موقفنا هو الروح المعنوية، فأحد المجندين فى إحدى المرات قال: سندخل تل أبيب، وسأخرج حاملاً سيارة من داخل إسرائيل.
واختتم: لم نشعر بتعب ومشقة رغم ما كنا فيه، وبعد كل تلك السنوات أشعر أن أكتوبر والعبور كانا بالأمس، ولا أستوعب كيف مر علينا 45 عامًا.