اعلان

أطفال قانونًا ورجال لعائلاتهم.. سائقو التوك توك مجرمون أم ضحايا؟ (فيديو)

كشفت تقارير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، الصادرة مارس الماضى، عن عدد التكاتك بمصر منذ دخولها عام 2005، والذى بلغ لثلاثة ملايين توك توك، منها 99 ألفا مرخصا منذ بدء الدولة فى اتخاذ إجراءات الاعتراف به كوسيلة مواصلات, والباقي يعمل دون أى أوراق.

ورغم كون التوك توك وسيلة مواصلات مجدية فى الكثير من الأحيان، خاصة لكبار السن في بعض المناطق النائية، إلا أنه يتعرض كل يوم لحملات مضادة، تطالب بالتوقف عن استيراده، خاصة بعد انتشار عدد كبير من الحوادث البشعة المقترنة بسائقيه، ومنها حوادث قتل واغتصاب وخطف، وغيرها من الجرائم الخطيرة، بل وتعدت لسرقة الراكب بالإكراه، مثلما حدث من سائقي توك توك مع الطفل أسامة بشبرا الخيمة أثناء عودته من الفرن الواقع بالشارع المقابل لمنزله، حاملا قفصا من الخبز، حيث فوجئ بتوك توك يقف بجانبه، بداخله شابان لا يتخطيان الثمانية عشر عاما، يقتربان منه، ويحمل أحدهما مطواة، ويهمس له "طلع كل اللى معاك". ولم يكن مع مثل هذا الصبى سوى بطاقة التموين التى اشترى بها الخبز، فأخذها منه عنوة، وهرب بجانب سائق التوك توك شريكه.

أما وقائع التحرش فحدث ولا حرج، وأبرزها قصة سهام التى لم تتعود على ركوب التوك توك، ولكنها اضطرت إلى ذلك لتأخرها على امتحان بمدرستها الثانوية، وطوال الطريق سائق التوك توك يثرثر معها، ولكنها بدت غير مهتمة، حتى بدأ يتحدث بكلام غير لائق، فطلبت منه أن يوقف التوك توك على الفور لتنزل، ولكنه رفض وتابع حديثه، فاضطرت للصراخ، فأوقف التوك توك، وسمح لها بالنزول، وهرب على الفور دون أن يعيد لها باقى الأجرة من الخمسين جنيها.

هذا بخلاف وقائع التحرش التى لم يرضَ أصحابها بالصمت، وأعلنوا عن رغباتهم فى عمل بلاغ بمركز الشرطة، ولكن جميع من حولهم قابلوا إرادتهم باستنطاع، كما حدث لمريم، حينما طلبت من أحد المارة مساعدتها فى جلب سائق التوك توك المتحرش لقسم حلوان الجديد، ولكنها صعقت برد رجل ستينى "خلاص يا أبلة سامحيه.. ما تضيعيش مستقبله"! ووسط عدة ضغوط من أهلها تنازلت مريم عن عمل المحضر، متنازلة أيضا عن كرامتها، حسبما وصفت.

على الجانب الآخر رفض محمد أحد سائقي التوك توك، والبالغ من العمر عشرين عاما كل تلك الاتهامات، مؤكدا "مش كلنا كده، ولكن لا أنكر أن معظمنا بيعاكسن ولا نترك فتاه تسير فى حالها". واستطرد "أعول أربعة أفراد: زوجتى وأمى وإخوتى، ولا نطلب معونة من أحد، ومع ذلك لا ترحمنا الدولة، فكل يوم يركب معى شخص بجهة سيادية (أمين شرطة) وبعدما أوصله بدل أن يمنحنى المقابل يطلب منى "أشوف حالى".. وتلك عبارتهم الشهيرة عندما يطالبون بمبلغ ما، ولأني أعلم جيدا قدرته على إيذائى، أمنحه كل مرة 100 جنيه؛ فليس لديَّ خيار آخر".

أما إبراهيم، ذو الأربعة عشر عاما، فيعمل سائق توك توك منذ 4 سنوات، وعندما سألته عن مدى إدراكه لمخاطر تلك المهنة كطفل، أجابني بعدما أطفأ سيجارته "أنا مش طفل.. ما فيش طفل بيصرف على أمه وإخواته من وهو عشرة سنين".

واستكمل "بعدما طفش والدى تاركا أمى وإخوتى بحالة يرثى لها، قررت أن أصبح رجل البيت، ولا أشعر مطلقا أننى حرمت من التعليم أو الترفيه، بل شعرت أننى ولدت رجلا".

كانت قصة إبراهيم شبيهة كل الشبه بالأطفال الثلاثة أحمد وصالح ومؤمن، الذين أجبرتهم ظروف حياتهم على العمل منذ ثلاث سنوات؛ ليتمكنوا من الإنفاق على ذويهم بعد وفاة والدهم، أو هربه، رغم عدم تخطيهم الثانية عشرة من عمرهم، أو حتى بعد إرغامهم من قبل أبيهم الخَنوع على العمل للإنفاق عليه، مثلما فعل والد مؤمن حينما أخرجه من المدرسة الابتدائية ليعمل على توك توك صديق والده.

يتعرض هؤلاء الأطفال لعدة محاولات لسرقة التكاتك التى بحوزتهم من قبل رجال، وأحيانا سيدة ورجل، مدعين رغبتهم فى الذهاب لمكان ما، عادة ما يكون مهجورا ونائيا؛ ليتمكنوا من سلب هؤلاء الأطفال لقمة عيشهم، التى ليست ملكهم فى الأصل، فهم مجرد عاملين عليها، فلم يكن لديهم أى فرصة للهرب سوى قلب التوك توك بعد التشبث به جيدا، فيجازفون بحياتهم؛ ليتمكنوا من تعطيل هؤلاء اللصوص من الهرب، فيأخذون و قتا فى عدل التوك توك، حينها يتمكن الطفل من الاستنجاد بأحد المارة.

أودت تلك الخدعة بحياة العديد من الأطفال، سواء على أثر الحادث، أو بقتله للتخلص منه على يد تلك العصابة، كما حدث لكريم، الذى كان سائقا بموقف بحى حلوان، وأحيانا ينجو السائق بروحه، ولكن يصبح مشوها جسديا، كعمر الذى ضرب بمطواة في خده الأيسر؛ لرفضه تسليم التوك توك؛ ليعيش بإعاقة، تلازمه طيلة حياته، ويظل هؤلاء أطفالا فى أعين القانون ورجالا فى أعين ذويهم وأولاد شوارع فى أعين المجتمع.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً