خلف أسوار الحياة، تُنسج كل يوم حكاية من حكاوي الزمن، تتنوع القصص مابين أبيض فاتح وأسود كاحل، أبطالها أشخاص من عالمنا الذي نحيى فيه ومابين الحين والآخر يباغتنا القدر بأحداث وروايات من الصعب على كثيرين منا تحملها أو استيعاب أحداثها، هي حالات إنسانية، صعب أن تسقط من الذاكرة أو يتجاوزها العقل البشري، مشاهد لا تحب أن تقع عليها العين، وأصوات لا تعشق سمعاها الأذن، أصوات أنين الضعفاء ولوعة المرضى وبكاء المحتاج، لكنه الواقع المرير الذي يفرض حلقاته الدرامية على حياة البعض، من المؤلم أن نكتشف هذه الأمور مصادفة أو تمر أمامنا مرور الكرام.
التقت "أهل مصر" بـ"محمود"، مواطن من محافظة الفيوم، يعمل بمهنة حرة بسيطة دخلها المالي قليل ومحدود، أب لطفل صغير يدعي "بكر"عمره 11 عام أبتلاه المولى عز وجل، بمرض لكن الأب صابر راضٍ بقضاء الله وقدره، فعزاء الأب الوحيد هو أن ابنه مازال بجواره ينعم بوجوده حتى لو كان المرض أنهكه وقضى على قواه.
بكر محمود محمد روبي، طفل لم يتجاوز الـ11 ربيعا من عمره ، ولم يعيش حياة طبيعية كأقرانه من صغار السن، حرم من اللعب واللهو والتمتع بملذات الحياة، منذ ولادته وهو يعاني من مرض الكلي وشلل أطفال وعدم اكتمال نموه، فبات قزما لا يزيد في الوزن او الطول، ولا يطرأ عليه أي تغير جسماني، ومنذ ذلك الحين ووالده لم يقصر معه أو يتكاسل عن علاجه، باع جميع محتويات المنزل واستدان واجتهد في كثير من الأعمال، لكن راتبه ذهب كله على الأدوية والعمليات الجراحية والغسيل الكلوي لابنه المريض اضطر الاطباء ان يتدخلوا جراحيا لاجراء عملية في ذراع الطفل بكر حتي يتمكن من الغسيل الكلوي عن طريق ذراعه بدلا من الرقبة لتمرير الابرة.
تعددت الأسباب التي منعت بكر من التعليم، مابين فقر مقدع لوالده وظروف صحية للطفل، غاب بكر عن المدرسة لكنه لم يغيب عن حفظ كتاب الله عز وجل القران الكريم، حيث يحرص الأب على تعليم ابنه آيات بيانات من المصحف المرتل في منزلهم بمدينة الفيوم ، المنزل الخاوي من اقل اساسيات الحياة ، خالي من أثاث وأجهزة ومقاعد، لاشيئ فيه يدل على أنه منزل أو بيت سوى بعض الحصير المتهالك على أرضية خلت من أقل مقومات الحياة وجدران بلون التراب تحتاج لنفضها من لوعة الحاجة وذل السؤال.
منزل لا يدخله غير الأسرة الفقيرة (بكر أابيه وأخوته)، فلا أصدقاء ولا زملاء ، ولما لا فهو لم يذهب يوما للمدرسة بسبب ظروفه المرضية والقهرية الألم ينخر في جسد بكر الضئيل الذي بدي عليه علامات الانهيار والضعف والعجز بالرغم من صغر سنه .
يقول "ولد الطفل " إنه من العدال أن تقوم وزارة الصحة بتبني حالة الطفل الفيومي بكر بتوفير العلاج الخاص به على نفقة الدولة وتوفر له كرسي متحرك ليري به الشارع ويتعامل مع الناس ليخرج إلى الحياة ونورها ويتعامل مع رفقاء جدد وأصدقاء لطالما تم حرمانه منهم.
وطالب الطفل " بكر " بالحصول على جهاز كمبيوتر صغير يتعرف به على أخبار الناس ويواصل حفظ القران الكريم من خلاله، والذي أنهي فيه حفظ جزء عم كاملا وحفظ أيضا أذكار الصباح والمساء ، فضلاً عن قيامه بالدعاء والصلاة كل وقت وكل حين.
ولا يتكاسل والد بكر عن القيام بواجبه نحو ابنه الذي أسره المرض بين قضبانه وحجزه داخل أسواره، إلا ان ضيق الحال وعسر المعيشة جعلت قدرات الرجل مكبلة بأعباء الحياة مابين سفر للقاهرة 3 مرات أسبوعيا وحقنة سعرها 266 جنيه وتحاليل طبية وجلسات علاج وغسيل، كلها أمور باتت تشكل عبء ثقيل على الوالد الذي كان يعمل نقاش على باب الله، وترك عمله ووظيفته ليتفرغ لعلاج أبنه والسفر معه 3 مرات أسبوعيا ويعمل يوم واحد فقط هو الجمعه ليوفر القليل الزهيد من بحر طلبات الأطباء والأدوية والعلاجات.