«1»
كنت مهووسًا بفكرة تكوين شكل معين للرسول عليه الصلاة والسلام في ذهني، وكنت من المحظوظين أيضًا بمعرفة ثلاثة ممن شافوا النبي في المنام، الأول فيهم كان عم مسعد وهو رجل كان يقع حظه دائمًا إلى جواري في جامع الأزهر وفي يوم من الأيام أطال السجود حتى نسى أن الصلاة انتهت فلكزته ظنًا مني أن يكون «جرا له حاجه» ولكنه أكمل الصلاة بعينين باكيتين حتى سألته بعدها : مالك؟ فهمس : شوفته . والثاني أستاذ جامعي اسمه أستاذ شريف كنت على معرفه مقربه له حتى توفاه الله، قبل وفاته بيوم اتصل بي قائلًا: بقولك ايه يا فهمي أنا مبسوط،والحقيقة أنه كان دائمًا في تعاسة كبيرة وسبق أن صارحني كثيرًا أن لن يكون مبسوطًا إلا إذا زاره النبي في المنام. والثالثة الست أم نورا والحقيقة أنها كانت بالنسبة لي مثالًا للعقلانية والرزانة حتي صحينا في يوم وجدناها تجري في الشارع بجلابية البيت وتمسك في كل من يقابلها وتقول " جاني في المنام.. جاني"
«2»
في حلقة من حلقات أحد كبار مذيعين التوك شو، كان الحضور مخرج أفلام شهير وشيخ سلفي مغمور، وكان موضوع الحلقة عن «تجسيد النبي في الأفلام» المخرج طبعًا مع التجسيد والشيخ ضده، وكان سند المخرج أنه مع الحرية الكاملة وسند الشيخ أن المخرج كافر بالضرورة لأن ما يقوله يخرجه من الملة في ثواني، واستمرت الخناقة المفرغة حتى تدخل المذيع، وخرج فاصل وعاد- ويا ريته ما عاد- فتدخلت التليفونات من هنا وهناك حتى احترقت الحلقة وقام الضيفين ليجهزا على بعض فأنهى المذيع الحلقة!
«3»
ترددت كثيرًا عن قبل أن أسأل عم مسعود عن شكل الرسول عليه الصلاة والسلام، بنفس نسبة ترددي في سؤال أستاذ شريف وأم نورا، ولكن الحلم القديم في تكوين شكل معين للحبيب عليه الصلاة والسلام كان يراودني منذ أن كنت طفلًا إلى أن بقيت شحطًا، فسألتهم والرزق على الله، فأجاب كل منهم بوصف مختلف! مما زاد توتري فذهبت إلى مشوار مهم كنت قد أجلته منذ فترة طويلة.
«4»
كان جالسًا كعادته فقد أنهي عمله والحضرة واتكأ على أريكة بغرف الحبايب، وهو "إبراهيم السيد" موظف كبير بالسكة الحديد وأحد الصوفيين الذين فتح الله عليهم من عنده، وكانت الناس تروحله في لحظات التيه والتخبط، لديه قدره كبيرة على الونس وتبريد الغليان الدلخلي لكل من حوله، كنت أقول له دائمًا "يا إبراهيم" برغم فارق السن الكبير بيننا فأنه ظل متمسكًا بألا أقول له "يا أستاذ". وقفت قدامه فقال لي بنظرته المفرغة "أقعد"، قغدت بجواره ونزلي شاي، قبل أن أشرب الشاي قالي :عند ايه؟
فأخبرته بالإشكالية التي وقعت فيها، لقد سألت ثلاثة ممن شافوا النبي وعن شكله وأجاب كل منهم إجابة مختلفة، فقال لي : ولو سألت 100 ح يقولوا إجابات مختلفة، فسألته إزاي؟
رد بسؤال : انت شوفت الحلقة بتاعة امبارح ؟
- اه
- فقال: بص.. الاتنين مش فاهمين..
- ازاي؟
قال :المخرج مش فاهم أن اللي بيقوله فعلًا حرية بس الحرية الأكبر أنه مايتجسدش، والشيخ مش فاهم أنه مش عيب أنك تفكر في شكله
- ازاي ده يا إبراهيم ؟
- قال: بص.. الرسول عليه الصلاة والسلام ده فكرة يعني أنا اتخيله زى ما احب، انت تتخيله زى ما تحب ، وانا شايف أن من الرحمة إن ماحدش عارف شكله، لأننا بني آدمين فالطبيعي ممكن يعجبنا شكل ومايعجبناش الشكل التاني، إنما قدسيته جات من إنه فكرة في دماغك - عليه الصلاة والسلام- كل واحد بيشوفه في أفضل صورة في دماغه، ومش كلنا دماغنا واحده ولا كلنا شوفنا في الدنيا قد بعض، فـ التلاته اللي شافوه كلامهم صحيح!
كانت إجابة شافيه كافيه بالنسبة لي، حتى ظننت أني أكاد أطير من الفرحة، وكهادتي البلهاء قررت أن أنهي المقابلة وأمشي. فقال لي: طب الشاي ؟
- لا أنا ماشي
فابتسم قائلًا: طب صلي عليه