كارثة.. "أهل مصر" تكشف حقيقة تحويل "حوض قايتباي" لمخزن خضار وفاكهة

كتب : سارة صقر

تعاني القاهرة التاريخية، وقطاع الآثار الإسلامية، من الأشكال المختلفة للانتهاكات، ما بين سرقة وحرق وإهمال ومياه جوفية، فضلًا عن تسليم بعض الأبنية الأثرية لمسئولين، من المفترض أنهم يعملوا كحراس على هذه الأبنية، ولكنهم لم يحافظوا على هذه المنشآت التي تحت أيديهم، وعملوا على تحقيق أكبر مكسب ممكن من هذه الأبنية الأثرية، التي تحت أيديهم وكأنها ملكية خاصة لهم.

في شارع طويل خلف كلية الفقة التابعة لجامعة الأزهر، يقع شارع ابن البيطار (المقريزي سابقا)، هذا الشارع الذي يحوي على العديد من المساجد والأسبلة والتكايا التي تعود لعدة عصور إسلامية، يقع المبنى الأثري رقم 39، ومسجل كآثر برقم 74، هذا المبنى الذي يعود للسلطان المملوكي "قايتباي" أشهر سلاطين المماليك وصاحب القلعة الشهيرة في مدينة الإسكندرية، وهو عبارة عن حوض لسقي الدواب بني في عام 1496م\ 901هـ، حيث عرف هذا العصر بناء الكثير من الأسبلة واحواض سقي الدواب.

لم يكن يعلم المسئولين بداخل وزارة الأثار يعلمون أن هذا الأثر الذي من المفترض الحفاظ عليه وتحويله لمزار سياحي، أن القائمين علىه سيقومون بتحويله إلى مخزن للخضار والفاكهة، فما أن تصل لناصية شارع ابن البيطار، لتجد لافتة مدون عليها "حوض السلطان قايتباي" خلف السياج التي تحيط بالأثر والتي تعرضت اجزاء منها للكسر، فضلا عن نصبة حديدية بها طاسة كبيرة لتحمير البطاطس والطعمية، ترجع للمطعم الفول الملاصق للبناء، بالمخالفة لقانون الأثار .

لم تتوقف التعديات عند هذا الحد، وبجولة سريعة أخذتها محررة "أهل مصر" حول المبني، لتجد المحال والمطاعم الملاصقة والمجاورة للأثار بشكل يخالف جميع القوانين، ولكن المفاجاة الحقيقة كانت عندما دخلنا من باب الحوض، لنجد مجموعة أقفاص البرتقال والبذنجان مخزنة بداخل الحوض، فضلا عن مجموعة من الصناديق الفارغة والكراسي الخشبية، وشمسيتين كبيرتين ومجموعة من الجرادل والاطباق البلاستيكية، تحيطها الأوراق التي تغلف بها أقفاص الخضار والتي انتشرت وسط فناء الحوض، الذي لم يبتقى منه سوى سور الحوض الذي كان من المفترض تملأه المياه لسقي الدواب.

"نادي له يا ابني.. قوله في واحدة بتصور".. لم نتخطى الخمس دقائق وبمجرد التقاط صورتين وإذا بصوت سيدة من بائعين الخضار والفاكهة امام المبني تنادي لأحد العاملين معها، ليخبر المسئول عن الحوض بأن هناك واحدة داخل السبيل تقول بإلتقاط بعض الصور، لنفاجأ بعدها بدقيقتين برجل يرتدي ملابس تبدو أنه يعمل كبائع وبوجه عابس وبصوت جهوري، أخبرنا أن التصوير ممنوع.

وبسؤاله عن سبب منع التصوير داخل المبني، لاسيما وأنه مبنى أثري ومن الطبيعي أن يكون واجهة لإستقبال طلاب الأثار والتاريخ، لمعاينته ودراسة تاريخه، ولكنه أصر على منعنا من التقاط صور أخرى بعد أن ارتفع صوته أكثر مؤكدا أن وزارة الأثار هي من قامت بإصدار هذه الأوامر له، قائلا : " أنا شغال هنا من سنين والوزارة مانعة التصوير"، فما كان منا إلا ان عارضنا موقفه متسائلين عن كيفية منع الوزارة للتصوير داخل المكان ومن ناحية اخرى ترسلنا كلية آثار لدراسة المبنى، فكان رده صادما عندما اخبرنا أنه لن يدخلنا هذا المكان إلا بصحبة مسئول.

وباستكمال الجولة حول الحوض الأثري، ووسط الإصرار على منع التصوير، بحثنا عن حيلة للتعرف على سر منع المسئول عن السبيل في منعنا، بعد ان ادعت محررة "أهل مصر" انها فتاة مغتربة تبحث عن سكن لمجموعة من الفتيات في هذا الشارع، لنعلم بعدها من أحد السماسرة في الشارع، الذي استدرجناه في الحديث، بحجة البحث عن سكن مناسب، وهل يوجد سوق قريب من المكان، ليجيب السمسار أن هذه المنطقة بها العديد من سكن للمغتربين المصريين وغير المصريين من طلبة الازهر، موضحا ان السوق به كل شيء من محال جزارة ولحوم وفاكهة ومطاعم كشري وفول، موضحا أن المسئول عن الحوض والذي انكر معرفة اسمه، يقوم بعمل الحوض لمخزن لتخزين الخضار والفاكهة، ويتقاضى أجرا مقابل ذلك.

وهو ما أكده أحد الرجال الجالسين على مقهى بنفس الحي، ان المسئول عن الحوض، يقوم باستغلاله في تخزين الخضار والفاكهة ليلا، لصالح الباعة الذين يفترشون عربات الخضار والفاكهة وسط الحي .

وحوض السلطان قايتباى بناه السلطان الأشرف قايتباي عام 1474م-879هجري وكان يضم كتاب لتعليم أطفال المسلمين القران الكريم إلا أن هذا الكتاب اندثر حيث تحتوي واجهته على نظام الأبلق، أي استخدام الحجارة البيضاء والحمراء.

كما غطي الحوض بسقف خشبي في أسفله لوحات كتب عليه كتابة نسخية نصها "بسم الله الرحمن الرحيم وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم” صدق الله العظيم ورسوله الكريم ونحن على ذلك من الشاهدين.. أنشأ هذا مولانا السلطان قاتل الكفرة والمشركين محيى العدل في العالمين".

وكان تم ترميم الحوض في عهد وزير الأثار السابق ممدوح الدمياطي، بحضور جيمس موران رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي بمصر، والسفير الهولندي بمصر، وعدد من الشخصيات العامة.

يذكر أن ترميم الحوض السابق قبل أن يتحول لسكن أحد الأشخاص، موله الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع السفارة الهولندية، وتحت إشراف وزارة الآثار من خلال مشروع تطوير القاهرة التاريخية، وترجع أهمية الحوض، والذي يعتبر واحدًا من أهم الآثار الإسلامية الموجودة بمنطقة القرافة، حيث تحتوي على عدد من المباني التراثية الفريدة، ذات القيمة التاريخية الهامة.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً