بلغ عدد المستفيدين من المعاشات، 9 مليون مواطن مصر حسب تصريحات وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي، خلال الجلسة العامة للبرلمان، لاستعراض تقرير اللجنة بخصوص مشروع الموازنة العامة للدولة عن العام المالي الحالي 2018/2019، وللأسف يعيش معظم هؤلاء، معاناه كل شهر، ولن نبالغ إن قلنا، جميعيهم لم يجدوا من يحنوا عليهم، فعلى الرغم من أنهم تجاوزوا سن الـ60، ولم يعد يتمتعوا بالكثير من المميزات أهمها الصحة والراتب الشهري والبدلات التي كانوا يتقاضوها فى أثناء الخدمة وكانت بالكاد تفي بمتطلبات أسرهم ليدخلوا بعدها الدائرة الجهنمية فيتحصلوا بعد انتهاء خدمتهم سواء هم أو ورثتهم على معاش هزيل لا يتناسب مع جنون الأسعار الذى لا يفى بأبسط المتطلبات الأساسية.
تجدهم يفترشون الأرض والأرصفة المحيطة بالبنوك، ومكاتب البريد، منذ صلاة الفجر أو ساعات الصباح الأولى، غير عابئين بالبرد وقسوة الجو المتقلب، فهم في مهمة مقدسة في انتظار الفرج، وفتح المؤسسات أبوابها، ليحصلوا على جنيهات قليلة لا تثمن ولا تغني من جموع ولا يقتصر هذا المشهد البائس على القاهرة فقط، بل ممتد عبر محافظات مصر المختلفة، ومن أكثر هذا المحافظات تكرارا، لهذا المشهد هي محافظة الغربية، وبالتحديد مدينة المحلة.
عندما أشارت عقارب الساعة إلى السادسة صباحا، ومع برودة الطقس، رصدت "أهل مصر" بداية تجمع بعض السيدات وكبار السن أمام مكتب بريد المحلة الكبرى، انتظارا لفتح أبوابه كي يحصلون على معاشهم، وكلا منهم يأخذ رقم في الطابور ويجلس مفترشا أما "كرتونه" تحميه من البرد، ومنهم من يأتي بقطعة سجاد أكل عليها الزمن وشرب من منزله، متسلحا بها ضد قسوة الجو، وتقدم السن، في انتظار فرج الله، واحد منهم من يصطحب حفيده أو نحبه ومنهم من لا يقدر على الحركة وقد خانته صحته وأقدامه مع تقدم السن وانتشار الأمراض المختلفة التي انتحلت جسده المتهالك، فيستعين بتوكتوك متلحفا بداخله ببطانيه مليئة بالرقع والثقوب. اقتربت أهل مصر من احد اهالينا الطيبين، لتشاركه همه وتغوص داخله لنستخرج منه قصته مع المعاناة الشهرية، لتعرضها في سطور وكلمات لعلها تصل لأذن وسمع مسؤول، فيرق قلبه ويسمع صوت ضميره، ويتحمل مسؤوليته اتجاه هؤلاء.
قال الحاج عبدالرحيم، وقد بدى لنا أنه يسترجع ذكرياته وأيامه الماضية: "عمري الآن 67 عاما كنت موظفا في إحدى المؤسسات الحكومية الكبري، وكان لي اسمي وسمعتي ومحبيني ومريديني، لكن خسرت كل هذا عند خروجي على المعاش مبكرا لظروفي الصحية، بعد أن نهش جسدي المرض اللعين، ومنذ أكثر من 9 أعوام وأنا على هذا الحال، مع بداية كل شهر أبدأ رحلة من رحلات المعاناة في طوابير المحروسة، ما بين طابور العلاج وطابور العيش وطابور المعيش أقضي ما تبقى من عمري، وأصعبهم على الإطلاق هذا الطابور اللعين لأن ما تتقاضاه من جنيهات هنا هي ما تقضي بها حوائجي طوال الشهر قدر المستطاع".