في الجزء الثاني من لقاء صحيفة الاندبندنت مع "عمرو موسى" الأمين العام لجامعة الدول العربية الأسبق ووزير الخارجية المصري السابق، كشف أن ثورات الربيع العربي لم تكن ربيعاً،بل كان شتاءاً قاسياً، لكنه يرفض في الوقت ذاته مُصطلح المؤامرة الذي يصفه به البعض، قائلاً: "أصحاب نظرية الفوضى الخلاقة أعلنوها ولم يخفوها، بل كانت (على عينك يا تاجر) منذ سنوات قبل اندلاعها.
-الشرق الاوسط الجديد
قال "موسى" أن مشروع الشرق الأوسط الجديد لايزال قائماً على الرغم من تغيّر رؤساء العديد من الدول العربية، لكن التنفيذ سيكون صعبًا جدًا، فقد انتهى عصر "سايكس بيكو"، ومسألة أنهم "يقعدوا يرسموا خريطة ويقسموها على مزاجهم في الخفاء، مش ممكن تحصل تاني".
ورغم فشل "سايكس بيكو" إلا أن للاسف نجحت في "السودان" كمثال ومن وجهة نظري فظروفها مختلفة، فمثلا لم يحدث انقسام للعراق مثلاً على الرغم من كل ما يعانيه من ويلات، فقد رفض العراقيون ذلك، لكن السودان كان مهيئًا للتقسيم بواسطة أبنائه أكثر من القوى الخارجية.
ولاشك في إن العالم العربي نصفه يثور والنصف الآخر يثور على الثورات، البعض يعمل في العلن، والبعض الآخر في السر، البعض يعمل في السياسة والآخر يعمل بالمال، البعض يُؤثر بالدين والبعض الآخر ضد ذلك، نحن نعاني مشكلة كبيرة جدًا في العالم العربي،وهو تضارب الافكار والمصالح، خاصة في قضايا مثل اليمن وسوريا وليبيا.
وأكد في حواره مع الصحيفة البريطانية أن "معمر القذافي" الرئيس الليبي الراحل أنه كان يكن نوع من الكراهية للسعودية، وأي قوة عربية أو غير عربية تشعر الشعور نفسه ضد السعودية كانت تتحالف مع القذافي، وإن كان الأمر قد انتهى بالمصالحة بعد ذلك في قمة قطر.
لذا فلن ينتهي الإرهاب من العالم، والإرهابيون لا ينتهون لأن وراءهم تمويلاً مستمرًا ومتدفقًا، وهناك خلايا نائمة كثيرة جداً، والطريقة التي تتبعها السياسة العالمية والإقليمية تؤدي إلى إثارة مزيد الغضب والعنف.
قرار ضرب ليبيا
ورد موسى للمرة الأولى على الاتهامات التي وجهها إليه البعض أخيرًا، بأنه ساعد حلف الناتو على ضرب ليبيا ما قبل سقوط القذافي، إبان فترة توليه منصبه أمينًا عامًا لجامعة الدول العربية واصفًا مُطلقيها بأنهم "أناس يريدون الإمعان في الإساءة للعالم العربي ولجامعة الدول العربية أو لي شخصياً عن طريق الغش".
وقال لن أدخل في هذه السجالات التي تنم عن جهالة بدقائق الأمور وحقائقها، يكفي أن أستدعى انتباه هؤلاء إلى محاضر مجلس الأمن والبيانات الليبية، وأكرر الليبية ضد القذافي في وقت الثورة، وإلى المطالب الليبية الرسمية في ذلك الوقت، لقد بدأت إثارة هذا الموضوع وقت ترشحي لمنصب رئيس الجمهورية عام 2012، وكانت من ضمن الدعاية المضادة من جماعة الإخوان المسلمين أثناء الحملة الانتخابية، ثم بكل بساطة هل ينتظر "حلف الناتو" قرارًا أو طلبًا من جامعة الدول العربية لضرب ليبيا أو رفض ضربها، وإذا كانت جامعة الدول العربية بهذه القوة فما كان لها أن تحاول على مدى أكثر من 60 عامًا حل القضية الفلسطينية ولم تستطع، كما أن قرار جامعة الدول العربية ليس قرار فرد، بل قرار الدول الأعضاء، والجامعة تضم 22 دولة، منها مصر، وللعلم هناك دول عربية أسهمت في الضربة الجوية على ليبيا على الرغم من أنه لم يكن هناك قرار من الجامعة العربية في هذا الشأن نهائيًا.
تجربة السعودية للعبور بسلام
قال "عمرو موسى" أن من المهم الإشارة إلى التجربة السعودية سواء فيما يتعلق بدور المرأة أو إدارة المجتمع وحياته وإدارة الاقتصاد الوطني ضمن رؤية تهدف إلى إحداث تغييرات في البنية الاقتصادية والاجتماعية والحضارية، بالإضافة إلى تفعيل دور الشباب الذين يمثلون شريحة كبيرة من المجتمع السعودي، هي تجربة جيدة بكل صراحة وسوف يكون لها تأثير في منطقة الخليج برُمتها.
غموض رسائل بومبيو
سياسة "ترامب" تعمل على تكوين شرق أوسط جديد بأي معنى؟ وإنشاء تحالفات جديدة وفق المصالح الأميركية، وهو بنفسه قال ذلك، ماذا يعني "الناتو العربي"؟ وما معنى اجتماع القمة في بولندا في شهر فبراير المقبل؟ "قمة مَنْ ولماذا وهل هو حلف عسكري؟"، وكيف يمكن أن يكون هناك حلف والأعضاء المُفترضون منقسمون على أنفسهم ليس من الناحية التكتيكية، بل من الناحية الإستراتيجية.
الإرهاب مستمر
وأكد "عمرو موسى" لن ينتهي الإرهاب من العالم، والإرهابيون لا ينتهون لأن وراءهم تمويلاً مستمرًا،وهناك خلايا نائمة كثيرة جداً، والطريقة التي تتبعها السياسة العالمية والإقليمية تؤدي إلى إثارة مزيد من الغضب ، وفي مثل هذا المناخ سيظل التطرف موجودًا، ولن ينتهي فإذا كان شخص صامت الآن فإنه في لحظة ما سيخرج ويحمل السلاح، لأن الأرضية ممهدة لهذا.
وقال "موسى" أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بدأ عهده في كلمته التي ألقاها يوم التنصيب في فترة ولايته الأولى بالإشارة إلى هذا البُعد الإقليمي وأهميته، إذ قال إن مصر دولة عربية وإفريقية وأيضًا لها صلات وثيقة بدول البحر المتوسط.
وهذه كانت بداية رسمية قوية جدًا لمصر الحديثة ما بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين، فالسياسة اليورو- متوسطية سياسة مهمة ومطلوبة، وحينما نتكلم على منطقة الشرق الأوسط فهي عبارة عن أرض ومياه، والبحر الأبيض المتوسط الذي يتوسط أوروبا والعالم العربي، وهذا يعطي بُعدًا بالغ الأهمية في مسألة الشراكة المصرية والعربية اليورو- متوسطية، ولقد كانت مصر أول من دعا إلى أول منتدى لدول البحر الأبيض المتوسط عام 1993 بالاشتراك مع فرنسا.
وتلته بعد ذلك اتفاقية برشلونة عام 1995 وتبعت ذلك مبادرة الرئيس الفرنسي السابق "ساركوزي" بشأن اتحاد دول البحر المتوسط، لكن حدثت انتكاسة لهذه المساعي وربما حتى الآن، لأن الاتحاد الأوروبي كان توجهه الأهم نحو شرق أوروبا، كما حدث اضطراب كبير في الربيع العربي و أزمات الاتحاد الأوروبي السياسية والاقتصادية، مثلما حدث في اليونان وغيرها.
-سر أغنية لأم كلثوم
وكشف "عمرو موسى" الجزء الثاني من مذكراته والتي ستدور أحداثها على الفترة التي توليت فيها منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، على مدار عشر سنين كاملة بين 2001 و2011 وهي فترة ثرية بالكثير من التفاصيل عن الجامعة العربية وتطورها وكواليس القضايا التي خاضتها.
ومن بين القصص التي تروى للمرة الأولى أنه قبل ترؤس ليبيا للمرة الأولى القمة العربية عام 2009، ذهبت إلى مدينة "سرت" الليبية أمينًا لجامعة الدول العربية وكانت لدى القذافي قائمة من المطالب المتعددة، خلاصتها أنه قال لي "أنا الآن سأترأس العرب وأنت ستكون وزيرًا للخارجية العرب"، فقلت له "يا سيادة الرئيس لن تسير الأمور بهذا الشكل"، فردّ "أنا لست رئيسًا، أنا قائد"، فقلت له "ولكن يا سيادة القائد، سيادتك لم تدفع حصة ليبيا في الجامعة العربية"، فنادى أحد مساعديه وطلب منه ورقة لتوقيع قرار صرف الحصة الليبية، وكان ذلك بقلم أخضر اللون، ومع ذلك لم يُصرف المبلغ، وبعد مرور أيام زرت ليبيا مرة أخرى للترتيبات النهائية للقمة العربية، وأثناء جلوسي في انتظار لقاء القذافي فوجئت بمساعده، واسمه "بشير" يُدندن أغنية أم كلثوم "أراك عصيّ الدمع"، فقلت له "يا بشير، قل للقائد أراك عصي الدفع"، وبعد أن التقيته سألني "أنا عصي الدفع"؟ كاتمًا ضحكته، فقلت له "نعم ولثلاث سنوات متتالية". وبعد الأخذ والرد بشأن إصراري على سياسة التعاون على الرغم من أنه يرفضها، قدم لي بالفعل هو شخصياً شيكاً مقداره 23 مليون دولار قيمة متأخراته لجامعة الدول العربية.
واضاف في الوقت الذي نتحدث فيه عن انقسامات كبيرة في الوطن العربي وحالة الوهن التي تعانيها كثرة من الدول العربية، لا يمكن فصل أداء جامعة الدول العربية عن هذا المناخ السائد، فحالة الوهن في العالم العربي أدت إلى أن الأمر أصبح صعبًا جدًا أمام الجامعة للتدخل وإصلاح المشكلات والقضايا العربية المشتعلة، خاصة أن هذه القضايا مُتدخلة فيها قوى إقليمية ودولية عظمى، بالإضافة إلى أن الوضع الإستراتيجي والتطور الحاصل في المنطقة يتطلبان نظامًا عربيًا وإقليميًا جديدين.