مشهد مروع يخرج عن كل مفردات اللغة العربية لوصف المأساة والمعاناة، مواطنون أبرياء كل منهم توجه إلى "محطة مصر" حاملًا بين جنبات صدره قدر يضيق به ذرعًا من الهموم والمسئوليات.. نساء وأطفال وشيوخ وشباب، وفى لحظة تبخرت الآمال وتطايرت الأحلام التى طالما سكنت قلوب أصحابها، بل وتحولت إلى بضع أشلاء متفحمة.
هذا الحريق الضخم الذى اشتعل فى أكبر محطات القطار فى مصر، لم يحرق فقط أجساد المواطنين الأبرياء ممن قادهم قدرهم للتواجد فى محيطه فقط، ولكنه حرق قلوب كل المصريين حزنًا وكمدًا على ما آل إليه مصير هؤلاء.
وفى المساء وبينما كل القلوب والعيون معلقة بوسائل الإعلام منتظرة أن يخرج علينا من يريح قلوبنا بتفسير منطقى لما حدث، يظهر سائق قطار الموت فى حالة من الهدوء والسكون الأقرب إلى البلاهة، تعلو شفتيه ابتسامة صفراء باهتة، لا تنم إلا عن شخص فاقد تمامًا للشعور والمسئولية فهو لم يعِ بعد أنه أحرق ما يربو عن 20 مصريًا وهم أحياء وتسبب فى إصابات لا رجاء فى الشفاء منها للعشرات.
لم تدم حالة الاستغراب من رد فعل السائق كثيرًا فبعد ساعات أوضحت التقارير أن ملف الخدمة الخاص بسائق قطار الموت يحمل بين طياته قرارًا بإيقافه عن العمل لمدة 6 أشهر نظرًا لتعاطيه المخدرات!!
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال ُملح: كيف لهيئة السكك الحديدية أن تعيد مدمنًا للمخدرات لتستأمنه على أرواح المئات ممن يركبون القطار تحت قيادته؟ ألم يكن الأولى به وبهم إحالته لعمل إدارى بعيدًا عن أرواح المواطنين؟
إجابة السؤال تنحصر فقط فى كلمة واحدة هى "الإهمال".. الإهمال من السائق فى ترك القطار دون تأمين إجراءات إيقافه، والإهمال من المسئول الذى أعاده ليعبث بأرواح المصريين كيفما يحلو له، وتدور الدائرة بين إرهاب وإهمال، فكلاهما يحصد أرواح المصريين.