بمجرد عبورك بوابة ورش المراكب القديمة بمنطقة الأنفوشى بالإسكندرية، تستقبلك سيدة خمسينية بابتساماتها الواسعة، وكلماتها البسيطة، وهي توصف لك كل ركن من أركان الورشة، فهى السيدة "أم على"، التى تملك عربة خشبيه مزوده بأنبوبة غاز، لتعد عليها الطعام لعمال المراكب.
تروي "أم على" قصتها لـ"أهل مصر"، فتقول: إن ظروف زوجها العامل البسيط بأحد المصانع فى السبعينات، لم يكن يقوى على تلبية الحاجات المعيشيةن وعندما عرض عليها أن تعاونه على مشقات الحياة، أو أن يحلها من عهدها، رفضت وأصرت أن تكافح معه لتربية ابنتهما الوحيدة.
وبالفعل، بعد أن تم إحالة زوجها على المعاش المبكر فى بدايات الثمانينات، عاونته فى صنع عربة خشبية، وزوداها ببعض مستلزمات إعداد الطعام السريع فى الشارع، وأتجها سويا إلى منطقة بحري، باعتبارها مقصد للتنزه، ومكان للعمال بشكل دائم، وبالفعل وقفا أمام مسجد أبي العباس المرسي، وبدأ ببيع السندوتشات الجاهزه خلال نافذة تلك العربة الصغيرة.
وبعد سنة من البدء، أتجها إلى الوقف داخل ورشة المراكب، حيث أن العمال متواجدين بكثرة يوميا، وهم بالحاجة الدائمة للطعام، بدلا من أن يضطر أحدهم أن يخرج ليأتى بالطعام من الخارج، وبالفعل ذهب الزوجين ووضع عربتهما داخل الورشة، حيث تشير "أم على"، إلى ماقدمه لهما العمال من ترحيب واحترام، ونفت تماما فرض أى فرد داخل الورشة إتاوة أو ايجار لمكان وقوفهما، بل تقول أنهم خصصوا لها مكانا مناسب لوضع عربة الطعام، كي لا تطولها الشمس وجيدة التهوية، حتى لا يتلف طعامها سريعا.
"الرزق كان كثيرا، والقليل يكفي لتجهيز الوجبة اليومية.. الآن الرزق أصبح محدود"، هذا ماقالته "أم على" حينما سئلت عن الأحوال الاقتصادية، وتضيف أن منذ 25 عام عند بداتها، كان الطلب كثير، وبالتالى يزيد المكسب، والبضاعة التي تحتاجها كانت رخيصة الثمن، حيث كانت تبيع طعامها من 25 قرش، إلى 150 قرش، أما الآن، أصبحت المستلزمات باهظة الثمن، وما تربحه من العربة لم يعد يكفي بعد، بل كلما ذهبت لشراء أى نوع من الأطعمة، تجده أغلى سعرًا مما كان عليه.
"لن استطيع منع اللقمه من الناس التى تشبهني"، هذا ماوصفت به معاملاتها مع العمال، فهى تشير إلى ظروفهم المادية الصعبة، حيث تراهم من نفس طبقتها التى أنهكتهم الأعباء المادية، فتبيع لكل منهم على حسب قدرته، فمن لديه جنيه يأكل ومن لديه 10 يأكل، وأحيانا يأخذ بعض العمال طعامهم، ويأجلون الدفع بعد أن يتقاضوا يومياتهم البسيطة.
ويقول "محمود" أحد العمال خلال حديثه لـ"أهل مصر"، إنها تقف منذ 25 عامًا، ولم يشتكي منها أحد العمال من قبل، وكانت تقف بجانب زوجها، ومكانه إذا غاب، ويؤكد "محمد على" عامل بالورشة حديثه، مضيفًا أنها تراعي الظروف المادية لكلا منهم أيضًا.
وتضيف "أـم على"، أنها كافحت مع زوجها طوال فترة زواجهما، فعلى مدار 25 عام، كانت تقوم بطهي الطعام بمنزلها وإعداده، بالإضافة إلى واجباتها المنزلية دون أن تشتكي يوميا، بل تعتبر ماتقوم به من واجباتها الزوجية، إلى أن رحل زوجها عن عالمنا منذ أشهر قليلة، ولكنها مازالت محتفظة بمشروعهما الصغير.