"محافظتي الشرقية.. مدرستي بحر البقر الابتدائية.. كراستي مكتوب عليها تاريخ اليوم.. مكتوب على الكراس اسمي .. سايل عليه عرقي ودمي.. من الجراح اللي في جسمي.. من شفايف بتنادي.. يا بلادي يا بلادي.. أنا بحبك يا بلادي".. بهذه الكلمات خلد الشاعر فؤاد حداد مجزرة بحر البقر، التي اغتالت فيها إسرائيل 30 طفلا في عمر البراءة، هم تلاميذ مدرسة بحر البقر.
بحر البقر التابعة لمركز الحسينية، بمحافظة الشرقية، قرية ريفية يعمل أهلها بالزراعة، يتناقل أبناؤها قصص المذبحة التي ارتكبتها إسرائيل جيلا بعد جيل، حتى لا يسنوا شهداءهم.
الذكري الـ 49.. الوجع والحسرة والألم ورائحة الدماء تفوح في مثل هذا اليوم من كل عام داخل مدرسة بحر البقر بمحافظة الشرقية، بالتزامن مع ذكرى المذبحة الأبشع والشاهد الأكبر على همجية العدو الصهيوني الذي أراد كسر صلابة الجبهة الداخلية وقت حرب الاستنزاف.
اليوم الإثنين تحل ذكرى مذبحة بحر البقر بالشرقية، والتي توافق يوم الثامن من أبريل كل عام، وقعت المذبحة عام 1970، ومنذ 49 عامًا يعيش أهالي قرية بحر البقر التابعة لمركز الحسينية بمحافظة الشرقية، ذكرى استشهاد ما يقرب من 30 طالبًا من أبنائهم الذين راحوا في عمر الزهور وإصابة ما يقرب من 50 طفلًا عندما شنّ الاحتلال الإسرائيلي الغاشم بطائراته الفانتوم الأمريكية هجومًا على مدرسة بحر البقر بالقنابل والصواريخ.
قال "أحمد الدميري" 58 عاما، سكرتير بمدرسة عثمان ابن عفان، وأحد تلاميذ مدرسة بحر البقر لـ" أهل مصر": يوم 8 أبريل لو مر عليه مائة عام لن ننساه، مازالت الجراح تنزف رغم أنه كان عندي 8 سنوات، وكنت طالبا بالصف الثاني الابتدائي وقتها، والدي استلم قطعة أرض 5 أفدنة من الإصلاح الزراعي، وكانت دي أول سنة ليا داخل مدرسة بحر البقر الابتدائية.
وأضاف: المدرسة كانت مكونة من طابق واحد يضم ثلاثة فصول، والوضع كان يختلف عن الأيام دي.. بحر البقر كانت تبعد عن القنطرة بحوالي 15 كيلو كنا بنعتبر في الجبهة الأولى بين مصر وإسرائيل وكل واحد بيحفر خندق أمام منزله لما كان يحصل ضرب كنا بننزل بعيد عن المنازل.
وتابع: يوم 8 أبريل 1970 أتذكر جيدا ماحدث.. كان الطيران بيحلق في السماء زي ما اتعودنا كل يوم وكل ساعة وكل وقت فاصبح حاجة عادية بالنسبالنا بس في اليوم ده كان الطيران قريب مننا زي مايكون هيدخل الفصول، شاهدت الموت بعنيه ونجوت منه بأعجوبة في تمام الساعة التاسعة كنا في حصة حساب وكنت جالس بجوار صديقي أحمد عبدالعال، كنا بنلعب مع بعض ونذاكر مع بعض وكان ولد وحيد، وقتها شعرنا بهزة شديدة تهز المدرسة كأنه زلزال فسقط "قلمي الرصاص" أسفل "التختة" نزلت للبحث عنه وفي نفس اللحظة سقط علينا سقف الفصل، ولم أشعر بنفسي إلا بعدها وأنا جالس على سرير مصاب بارتجاج بالمخ وكسر بالرجل اليمني وسيخ حديد بجوار عيني وسط أصدقائي المصابين داخل مستشفي الحسينية وان باقي اصدقائي خرجو أشلاء من تحت الأنقاض.
وتابع "الدميري" كنت صغير بس والدي حكالي ان الأهالي ذهبت للمدرسة بعد الانفجار من جميع الاماكن وجدوا المدرسة كوم تراب فوق الأطفال وخروج دخان كثيف والشنط كلها دم والناس تحمل جثث الأطفال، والمصابين، وأجزاء من أجساد أبنائهم ومبقاش حد عارف ابنه او بنته اعتبرو كلهم أبنائهم وكان بيضعوهم داخل مقطورة جرار زراعي، كان بينزل منه الدم وهو ذاهب لمستشفي الحسينية كأنه مياه.. يوم الذكري اليوم الحزين تتشح قرية بحر البقر بالحزن والسواد لا يوجد منزل بالقرية لم يكن له شهيد.
واستطرد: رغم أن الجميع يتذكر القرية يوم 8 أبريل إلا أنها تعاني من انعدام الخدمات ومياه الشرب والصرف الصحي وأهلها مصابون بالفشل الكلوي، ورغم أن عندنا مستشفي نذهب لمركز الحسينية، ولنشتري المياه النظيفة.. احنا لينا حقوق بس مبنخدهاش ومحصلتش على أي تكريم غير بقطعة قماش ومصحف.. المفروض يكون ليا كارنيه مصابين ونفسي أذهب لأداء عمرة.
وبنبرة صوت حزينة قالت الحاجة "نبيلة" 78 عاما والدة الشهيد "ممدوح حسني": يوم 8 ابريل 1970 كنت بخبز والمنزل كان قريب من مدرسة بحر البقر بحوالي 100 متر.. ابني كان متعود ياخد الساندوتش في الفسحة، اليوم ده قالي لا هاخده وأنا ماشي عشان مش هرجع تاني قولت يـا فتاح يـا عليم قلقت عليه وفضلت ماشية وراه لحد ما اتطمنت انه وصل المدرسة ورجعت.. سمعت صوت انفجار وقتها تحطمت جدران المنزل والنوافذ لأنه كان بجوار المدرسة وبعدها شاهدت ابني واتنين يحملوه أخذته منهم ودفنتة بمقابر بلد قريبة من بحر البقر.
وتابعت "نبيلة": بقالي 3 سنين بطالب بأداء فريضة العمرة وبتكرم كل سنة ببرواز، وناشدت الدكتور ممدوح غراب محافظ الشرقية بأداء فريضة عمرة شهر رمضان المقبل.
وقال الحاج "عماد حسني" 57 عاما، شقيق الشهيد "ممدوح حسني": انا كنت طالب بالصف الثالث الأبتدائي وشقيقي بالصف الثاني الأبتدائي.. وكنت بروح المدرسة فترة مسائية، والساعة 9:15 سمعت صوت انفجار ذهبنا للمدرسة وجدت شقيقي وأصدقاءه أشلاء ومصابين تحت الأنقاض.
وناشد أهل القرية الدكتور ممدوح غراب محافظ الشرقية، بالنظر بعين الرحمة لأهل القرية التي تعاني العديد من المشاكل.
وبداخل مدرسة بحر البقر للتعليم الأساسي نظم المسئولون عن المدرسة معرضًا لتخليد ذكرى الشهداء ولتعريف الأجيال القادمة بهذا الحادث الأليم وما قدّمه زملاؤهم من بطولات خلال تلك الفترة، وضم المعرض مجموعة من الكتب المُلطخة بدماء التلاميذ والكراسات ومجموعة من العرائس، إضافة إلى الشنط المدرسية القماش لتلاميذ المدرسة كأنها تتحدث عمّا حدث وتعتبر شاهدًا على تلك الحادثة البشعة بكل ما تحملها الكلمات من معنى.
ويقيم مركز الحسينية بمحافظة الشرقية، احتفالية، لإحياء الذكرى الـ49 لمذبحة أطفال بحر البقر، وذلك بحضور عدد كبير من الشخصيات القيادية من أبناء المحافظة ونواب المركز.