بعد الانتخابات الإسرائيلية ينتظر العالم الاعلان عن صفقة القرن الذي نادى بها جاريد كوشنر وسربت بنودها صحيفة "إسرائيل هايوم"، وبدا أن الأمر تدريب على كسب الوقت، فقد كان جدول كوشنر محكوماً، ربما أكثر من أي شيء آخر، بالانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، بحسب موقع Lobe Log الأمريكي.
والآن بعد انتهاء هذه الانتخابات، من المنتظر أن يكون الكشف عن صفقة القرن قريباً، فقد أشار كوشنر إلى ذلك في لقاء عقده مؤخراً في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، كما ذكر في مناسبات سابقة أنه قد يكشف عن صفقة القرن بعد شهر رمضان، الذي ينتهي في الأسبوع الأول من شهر يونيو.
اقرأ ايضاً.. مبعوث ترامب بالشرق الأوسط: يكشف عن موعد خروج " صفقة القرن " للنور
إن الملامح الأساسية لصفقة القرن حالياً، يتمثل في حلِ الدولتين، الذي يستلزم تأسيس دولة فلسطينية أغلب سكانها من العرب، إلى جانب دولة إسرائيلية ذات أغلبية يهودية، أو حل الدولة الواحدة، الذي يستلزم توفير حقوق سياسية ومدنية متساوية لجميع سكان الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل حالياً.
لكن ذلك يصطدم بهذه المعضلة الثلاثية التي يتناولها كثيرون: دولة يهودية، ودولة ديمقراطية، ودولة تسيطر على كل الأراضي الواقعة بين البحر المتوسط ونهر الأردن، والتي يمكن لإسرائيل أن تطبق شيئين فقط منها.
ويتمثل أحد المعالم الرئيسية للخطة التي وردت في التقارير في دفع عرب الخليج إلى تقديم ما يكفي من المساعدات، لجعل الحياة الفلسطينية في الضفة الغربية أقل صعوبة مما هي عليه الآن. تُصوِّر الخطة المزعومة المنشورة في صحيفة "يسرائيل هايوم" كياناً يسمى "فلسطين الجديدة"، لا يرقى إلى مقومات الدولة.
سيتألّف هذا الكيان من مناطق صغيرة منفصلة في الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، بل سيتعين على "فلسطين الجديدة" أن تدفع لإسرائيل لامتلاكها القوة العسكرية الوحيدة في المنطقة.
ومثلما أشار جوناثان كوك في دراسة مفصلة للوثيقة المسربة، لا يُعتبر هذا التصور سوى تعديل بسيط للوضع الراهن. ولن تكون "فلسطين الجديدة" سوى نسخة مُعدلَّة قليلاً من السلطة الفلسطينية الحالية التي لا حول لها ولا قوة.
مسار هذا المقترح ليس مفاجئاً بالنظر إلى السياسة العامة التي تتبعها إدارة ترامب في المسائل المتعلقة بإسرائيل والفلسطينيين في الوقت الحالي. وتتمثل تلك السياسة في منح حكومة نتنياهو كل ما تريده، ومعاقبة الفلسطينيين وصدّهم بكل الطرق الممكنة.
ومن السهل تفنيد النظريات التي حاولت واشنطن تصوير بعض هذه التحركات بأنها في إطار عملية السلام. على سبيل المثال، لم يؤد إعلان الإدارة للسيادة الإسرائيلية على القدس بأكملها ونقل السفارة الأمريكية هناك إلى إبعاد قضية القدس عن "مائدة التفاوض"، بل أدى إلى دفع المائدة بأكملها نحو طرف واحد من طرفي النزاع، وإبعادها عن الطرف الآخر، وربما تكون المائدة قد تحركت، لكن المشكلة لا تزال متفاقمة.
من الواضح أن الخطة مخفية وراء الخطة التي سيُعلن عنها كوشنر، تستند إلى افتراض ربما يكون صحيحاً، وهو أن الزعماء الفلسطينيين سيسارعون إلى رفض مقترح كوشنر.
بعدها تروج حكومة نتنياهو وإدارة ترامب بأن الفلسطينيين يرفضون عروض إحلال السلام، وعندها يكون بإمكان الحكومة الإسرائيلية الانطلاق بأقصى سرعتها في بناء مستوطنات جديدة بالضفة الغربية وتعزيز السيطرة الإسرائيلية على الأراضي.
اقرأ ايضاً.. المظاهرات تجتاح لندن لرفض "صفقة القرن" (صور)
فالتاريخ، خاصة، في أذهان الفلسطينيين المتمثل بالنزوح الكبير أو نكبة عام 1948، وكذلك الاحتلال الناشئ عن حرب يونيو عام 1967، لا يُنسى مثلما يتضح في تاريخ عديد من الصراعات الأخرى.
وحتى مع وجود الرشوة، لا تزال آلام ومشاعر الإحباط إزاء القهر قائمة. وحتى لو كان لزاماً على الضفة الغربية أن تظل هادئة بعض الوقت، فإن السجن المفتوح المعروف بقطاع غزة لن يظل كذلك، مثلما ذُكِّر العالم مؤخراً.
ولا تقتصر الآثار المدمرة على ساحة الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، بل تزيد الخطة من اعتماد إدارة ترامب على الأنظمة الديكتاتورية العربية، بحسب وصف الموقع الأمريكي.
أما بالنسبة للسعودية والإمارات، فهذا يعني استمرار دعم الحرب الكارثية في اليمن، واتخاذ خطواتٍ من شأنها زيادة خطر اندلاع حرب بين أمريكا وإيران.
تتمثل إحدى الطرق التي قد تؤدي إلى دفع خطة كوشنر بدرجة أكبر في اتجاه لن يكون ذلك الذي يرغب فيه كوشنر والإدارة، في تشجيع التيار اليميني الإسرائيلي بدرجة أكبر بكثير، أكبر حتى من التشجيع الذي قدمته سياسات ترامب بالفعل، والذي تَمكّن معها من ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية رسمياً، والكف عن الادعاءات الزائفة التي اتسمت بها المواقف الإسرائيلية في الصراع مع الفلسطينيين لوقت طويل.
لذا من غير المرجح أن هذه الوثيقة المُسرَّبة قد نُشرت دون موافقة نتنياهو، بل ربما نُشرت بإيعاز منه، والتفسير الأكثر منطقية هو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد قدَّر أن الهجوم على الكشف الفج لخطة كوشنر بتفاصيلها كاملةً سيؤجل مرة أخرى إعلانها الرسمي، ويُمكِّن حكومته من الاستمرار إلى أجَل غير مسمى، في وهْم التوصل إلى قرار دبلوماسي نهائي مع تعزيز سيطرتها على الأراضي المحتلة.