المفطرون في نهار رمضان.. الحرية الآثمة.. "مقاهي" تفتح أبوابها نهارًا للمفطرين.. الحكومة: "ملناش دعوة".. و"الإفتاء": قلة الوعي الديني خلف انتشار الظاهرة

كتب :

كتب: رانيا خليل ـ مصطفى هريدي نهى نجم ـ عبد المنعم عاشور ـ أحمد عبد الله

أيام معدودات يقدسها المصريون، امتثالًا للأوامر الدينية، تتجلى فيها الوحدة بين المسلمين والأقباط خلال شهر رمضان الكريم، وبالرغم من ذلك، يصر البعض على استفزاز المشاعر ومخالفة الأجواء الروحانية المفروضة، وذلك عن طريق الإفطار جهرًا في نهار رمضان، وفي هذا الملف، تلقي «أهل مصر» الضوء على هذه الظاهرة، وتبين أسبابها..

أصحاب الكافيهات: دا أكل عيشنا.. ومحافظة القاهرة: ليست لدينا خطة لإغلاقها

لشهر رمضان الكريم، قدسيته وحرمته في مصر والدول الإسلامية، حتى أصحاب الديانات الأخرى، يراعون ذلك ويلتزمون بالآداب ولا يتناولون الطعام أو الشراب أمام الجار أو الزميل المسلم الصائم، خلال فترة العمل أو حتى في المواصلات، ولكن في الفترة الأخيرة بدأ ظهور فئة مسلمة تعلن إفطارها في نهار رمضان بل وصل الحد إلى فتح المقاهي والجلوس بها خاصة فئة الشباب والمراهقين.

وخلال الـ 4 أو 5 سنوات، كانت قوات الأمن والأجهزة التنفيذية التابعة للمحافظة تتصدى لتلك الحملات، ولأصحاب المقاهي التي تفتح في الساعات الأولى من النهار.

ورصدت «أهل مصر» آراء أصحاب المقاهي ورؤساء أحياء محافظة القاهرة وخطتهم للتصدي لذلك وهل يوجد قانون يحرم «المجاهرة بالإفطار» خاصة وأن ذلك يعد انتهاكًا لحرمة الديانة الإسلامية والصائمين؟.

رفع «م.ح»، صاحب مقهى بحي الزيتون، شعار «إذا بليتم فاستتروا»، قائلًا: «القهوة أكل عيشنا منقدرش نقفلها بنفتح في الساعات المتأخر من نهار رمضان، وليس كل من يجلس على القهوة فهو مسلم فاطر يمكن أن يكون مسيحي لذا أضع ستارة داخل المقهى حتى يتخفى وراءها المفطرين ولايراهم المارة».

بينما يرى الحاج أحمد محمد، صاحب مقهى بالعتبة، أنه يفتح قهوته ما بين العصر والمغرب، وذلك لأن بعض الصائمين يتأخرون في طريقهم للإفطار فيجلسون على القهوة يشربون مياه وعصائر «تصبيرة» قبل الذهاب للمنزل، مرددًا أصحاب المقاهي يسترزقون من تلك المهنة لذا لا داعي أن تغلقها الحكومة خلال شهر رمضان ولكن من الأفضل أن تضع مواعيد عمل لها وتقنن أوضاعها.

ومن جهته، علق اللواء محمد أنيس، رئيس حي عابدين، على الظاهرة، قائلًا إن الحي يشن حملات يومية في رمضان لرفع إشغالات الطرق والأرصفة غلق المقاهي غير المرخصة، ورفع المخلفات في كل مكان بالتعاون مع هيئة نظافة وتجميل القاهرة.

وعلق رئيس حي عابدين، لـ«أهل مصر» أنه لايرى أي مقاهي في عادين تفتح في نهار رمضان، لكن لا مانع من فتح أصحاب تلك المقاهي أبواب محلاتهم في النهار وحتى الساعات المتأخرة من الليل، مرددًا: «ليس من حقي غلق تلك القهاوي أو فرض غرامة مالية عليها أو حتى الحبس لأنه حتى الآن لايوجد قانون بذلك».

واستطرد رئيس عابدين، أن فتح القهاوي في رمضان هي حرية شخصية، خاصة وأن هناك فئة دينية أخرى تعيش معنا وتجلس على القهوة في نهار رمضان وهذا حقها.

وأيده في الرأي، اللواء هشام عبد الحميد، رئيس حي الزاوية الحمراء، قائلًا إن هناك فترة من 4 سنوات شنت حملات أمنية على المفطرين وأصحاب المقاهي التي تفتح في نهار رمضان، ولكن الآن لا يوجد صلاحية أو قانون بغلق أو فتح قهوة «بحجة أننا في رمضان».

وتابع رئيس حي الزاوية الحمراء، لـ«أهل مصر» أنه يشن حملات يومية لرفع الإشغالات والمخالفات، قائلًا: «إحنا في ثاني أسبوع في رمضان ومش شايف قهاوي فاتحة الساعة 1 أو 2 ظهرًا».

ومن محافظة القاهرة، يجيب خالد مصطفى، مدير المكتب الإعلامي لمحافظة القاهرة، أن هناك قانون كانت الدولة تناقشه وهو تحديد مواعيد فتح وغلق المقاهي في الأيام العادية حفاظًا على صحة وإخلاق الشباب والكبار والمراهقين، وحتى يستفيدون من وقتهم في أشياء لها قيمة بدلًا من الجلوس على مقهى.

وأكد مدير المكتب الإعلامي لمحافظة القاهرة، أن المحافظة تواصل جهودها خلال شهر رمضان بتوفير منافذ للسلع التصدي لأي مخالفات أو فساد أو رشاوى، قائلًا: «لكن مفيش خطة لدينا لغلق المقاهي في نهار رمضان».

أقباط يصومون شهر رمضان في «حب المسلمين»: بنفطر ونتسحر معاهم

«هل هلالك شهر مبارك».. عبارة خالدة في أذهان الجميع كل عام بحلول شهر رمضان الكريم، حيث تتزين الشوارع بالفوانيس والأنوار والزينة، وتدوى الأغانى الرمضانية صداها، وتشع أجواء البهجة من كل مكان، ويحرص المواطنون على شراء الياميش والفوانيس لصغارهم مهما بلغت أسعارها، وعلى الرغم من ذلك فهى ليس عقائد خاصة بالمسلمين فقط بل يشارك الأقباط فيها بروايات مختلفة لكلاً منهم فالبعض يصوم أيام، وآخرين يحرصون على إفطار المسلمين على الطرق وقت أذان المغرب، وغيرها من حكايات الأقباط في رمضان نرصدها لكم.

تواظب حنان قلدس، على الصيام فى رمضان بضعة أيام صومًا كاملاً كل عام لاسيما أيام العزومات مع أصدقائها على الإفطار، بينما أثناء وجودها فى العمل لا تأكل أو تشرب أمام مسلم مهما حدث، وتحرص على تناول الفطار في البيت أو قبل وصولها للشغل حتى لا تلفت انتباهم لها.

وتروى «حنان» أحد المواقف الطريفة التى صادفتها في شهر رمضان، فتقول: «فى يوم ذهبت للفطار مع أصحابي فى أحد المطاعم، وصلت قبلهم بساعة وبات الجميع ينظر لىّ بدهشة واستغراب مما تتسب في إحراجى.. وكنت محتاجة أشرب وظلت صائمة حتى المغرب».

فيما تسعى دائمًا شيرين صليب، إلى عدم تناول المأكولات والمشروبات أمام زملائها في العمل، كنوع من الذوق والاعتياد، وتهتم بالإفطار يوم في رمضان معهم كمحبة في الأجواء الرمضانية، معلقة «شهر بيستناه كل الناس ليس المسلمين فقط.. بس مهم الصيام عن الأخطاء وليس الأكل والشرب».

وعبرت عما يثير إزعاجها في شهر رمضان هو ترديد بعض الأشخاص في وجهها «استغفر الله العظيم» عن عمد مما يشعرونها وكأنها مرتكبة ذنبًا، قائلة «الصيام بين الإنسان وربنا.. أنا مالي يعرفنى بصيامه».

وتقول دميانة عماد، «اتعودنا في رمضان نخرج نوزع تمر والمياه على الصائمين وقت الفطار.. وأصحابنا المسلمين بيجوا الدير يعيدوا معانا في عيادنا فالمحبة متبادلة .. واحتفالات شهر رمضان من أكثر المناسبات فرحة بالسنة».

وتبدأ مارينا عزت، حديثها بابتسامة فرحة عن التعامل مع الصائمين من زملائها في الجامعة والعمل، مؤكدة أن والديها منذ الصغر كانوا قبل شهر رمضان ينبهون عليها بأن الأكل أو الشرب أمام أحد صائم عيب، وليس إجبار على صيامها ولكن كنوع من احترام العقائد وكان أمرًا صارمة في البيت، على حد قولها.

وعن صومها في رمضان، فتقول «اتعودت من 7 سنين أصوم مع أصحابي كنوع من المشاركة والمحبة بيننا، وأوقات بيجيبولى فانوس هدية، ولا يتعارض على الإطلاق مع ايماني بعقيدتي، كل واحد حر، والصيام ما هو إلا لفتة إنسانية، واعرف مسلمين بيحرصوا على صيام العدرا».

وأضافت أن اليوم الذى تصومه تنسق معهم من قبلها على موعد السحور ولا تأكل أو تشرب من الفجر، والإفطار مع الإذان عند أحد أصدقائها وسط أسرتهم، مما يشعل غيرة حميدة بين أصدقائها وكلاً منهم يطالبها بالصيام يوم معهم يوم، فأصبح صومها بدل اليوم أربعة أو خمسة أيام، مع كل صديقة على حدى.

وذكر موريد مكرم طبيب الجراحة، أن المسيحين يصومون معظم العام ومتدربون غالبًا على الصوم الانقطاعي ثم الإفطار على الأكل النباتي فقط، بل يقدسون الصوم ويعرفون أهميته من الناحية الدينية، وبأنه وسيلة فعالة للتقرب إلى الله و ابتغاء رضاه.

وتابع: «لذلك نشعر بمشاعر أخوتنا المسلمين و نكون في منتهى السعادة بذلك الشهر وكثيرًا ما تتزامن أيام صومنا لتؤكد الإخوة والمحبة، وأنا اتعامل مع زملائي بنفس المنطق وسعادة لمشاركتهم مشاعر الصيام، ولكن الآن أصبحت صحتي لا تسمح بذلك، ولكنى أُكن لكل زملائى كل الاحترام أثناء العمل و مراعاة لمشاعرهم».

وعلق القس يوسف سمير، راعي الكنيسة الإنجيلية بمصر الجديدة، على صوم المسيحيين مع المسلمين، معتبره نوع من المشاركة وهو أمر حميد وتكون اجتهاد فردي نابع من الإنسان، موضحًا أن من يصوم لا ينتظر أحد يخرجه عن صيامه إذا أكل أمامه، فهو يتعبد إلى الله ولا يتأثر بمن حوله.

وأضاف «سمير» لـ«أهل مصر» أنه لا يوجد تعليمات من الكنيسة على مراعاة شعور المسلمين وقت صيامه ولكن المدارس هى ما توعى الصغار لاحترام عقائد زملائهم، مشيرًا إلى مشاركته أيام الثورة بتقديم الفطار للمعتصمين في الاتحادية.

«الإفتاء»: قلة الوعي الديني خلف انتشار الظاهرة.. ومدير الأزهر العالمي للفتوى: نستلح بـ«الحملات الدعوية»

يقول الشيخ محسن السيد، خطيب وإمام بمحافظة الجيزة، ومدير المركز الإسلامي بتنزانيا سابقا، إن المفطرين في نهار رمضان لا يخافون الله عزوجل وإيمانهم ضعيف ومذبذب، ولكننا نحاول كأئمة أن نرشدهم إلى طريق الحق والفلاح ونتحاور معهم قدر المستطاع وهناك بعض المفطرين يستجيبوا والبعض الآخر لم نلمس منه أي استجابة.

وأضاف السيد لـ«أهل مصر»، أن أغلب المفطرين في رمضان يكونوا شبابا من المدمنين الذين يتعاطون المخدرات فلا يستطيعون الصيام ولا يستطيعون البعد عن المخدرات، فلذلك نكثف جهودنا الدعوية معهم، ولكننا نؤكد أن الدور الأكبر يكون على الأسرة والأبوين.

وتابع السيد، أن العاصي أحيانا لا يعرف طريق الرجوع إلى الله، فواجب على إمام المسجد أن يأخذ بيده ويساعده على ذلك لأن وظيفة الإمام الأساسية هي تغيير العقول ومساعدة العصاة في العودة إلى الله عزوجل.

وأكد السيد، أن الأخطر من الإفطار في نهار رمضان هو الإجهار بهذه المعصية وهذه كارثة كبرى، لدرجة أننى قابلت شخصا يدخن وهو في نهار رمضان ولا يبالى بمن حوله، لذلك الله عزو جل أعد للمجاهرين بالذنب عذابا أليما.

ويقول الشيخ أحمد تركي، من علماء الأوقاف، إن مسألة المفطرين في رمضان تحتاج إلى دراسة والأمر ليس مقتصرا على علماء الدين فقط، وإنما يجب أن يتكاتف الجميع خبراء ودعاة وأسر لمواجهة هذه الظاهرة بالموعظة الحسنة لأن الصيام أحد أركان الإسلام.

وأضاف تركي لـ«أهل مصر»، أن هناك بعض المفطرين لديهم الأعذار الشرعية التى تبيح لهم الفطر كأن يكونوا مرضى أو على سفر أو غير ذلك من مباحات الصيام ولكنهم حتى لا يجاهرون بفطرهم أما الناس لأنهم عندهم حياء، أما ما نراه اليوم فنجند تبجحا من هؤلاء الذين لا يخافون الله بل ويتباهون بفطرهم في نهار رمضان، مؤكدا أنه يجب أن نفرق بين الحرية الشخصية وبين شيء ثابت من ثوابت الدين.

بدوره قال الشيخ جابر طايع، المتحدث باسم وزارة الأوقاف، ورئيس القطاع الديني، إن الوزارة ليست جهة تنفيذ أحكام حتى تتعامل مع المفطرين في رمضان، ولكن دورنا إرشادى ودعوى، فنحن نقوم بمخاطبة المفطرين من على المنابر ونسرد لهم الأحاديث والآيات القرآنية حتى يبتعدوا عن ما هم فيه من عصيان.

وأضاف طايع لـ«أهل مصر»، أن الأوقاف وضعت خطة دعوية لشهر رمضان الفضيل تشتمل معظمها على فضائل الأخلاق وأيضا فقه العبادات، مؤكدا أن خواطر التراويح يتحدث فيها الإمام عما يحتاجه المصلون، وخطبة الجمعة أيضا يتحدث الإمام إذا رأى مفطرا فينصحه بالحسنى، لكننا لا نستطيع فعل أكثر من ذلك.

ويقول الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن منهج دار الإفتاء يؤكد أن المجاهرة بالفطر في نهار رمضان لا يدخل ضمن الحرية الشخصية للإنسان، بل هي نوع من الفوضى والاعتداء على قدسية الإسلام، لأن المجاهرة بالفطر في نهار رمضان مجاهرة بالمعصية، وهي حرام فضلا عن أنها خروج على الذوق العام في بلاد المسلمين، وانتهاك صريح لحرمة المجتمع وحقه في احترام مقدساته.

وأضاف عثمان في تصريحات خاصة لـ«أهل مصر»، أن المفطر فى نهار رمضان عمدا من غير عذر شرعى، إذا كان جاحدا لفريضة الصوم منكرا لها، يعد مرتدا عن الإسلام، أما إذا أفطر فى رمضان عمدا دون عذر شرعى معتقدا عدم جواز ذلك كان مسلما عاصيا فاسقا يستحق العقاب شرعا ولا يخرج بذلك عن دين الإسلام، ويجب عليه قضاء ما فاته من الصوم.

وأشار أمين الفتوى بدار الإفتاء، أن انتشار مثل هذه الظواهر في المجتمعات يكمن سببه الرئيسي في قلة الوعى الديني وقلة الفهم بفوائد الصيام، حيث إن البعض من الشباب والعوام يرى أن الصيام لا فائدة منه وتعذيب للنفس، مستنكرًا هذا الفهم الخاطئ لفريضة الصيام التي تعتبر طهارة روحية وتهذيب للنفس عن كل ما يغضب الله عز وجل.

من جانبه قال الدكتور أسامة الحديدي المدير التنفيذي لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن دور الأزهر الشريف والمؤسسات الدينية إنما هو دور إرشادي ودعوى وتوعوي فقط، في مثل هذه الأمور وليس دورا تشريعيا في هذه الظاهرة، فالله تعالى يقول «ما على الرسول إلا البلاغ» وقوله تعالى «لا إكراه في الدين».

وأضاف الحديدي في تصريحات خاصة لـ«أهل مصر»، أن الأزهر الشريف يكثف حملاته وندواته في شتى محافظات الجمهورية للتعريف بآداب الصيام وأحكامه، وكذلك تكثيف الخطب والدروس في المساجد حول فقه الصيام.

نقلا عن العدد الورقي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً