حالة من الجدل الواسع شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي على مدار اليومين الماضيين وذلك بعد الحلقة الخامسة والعشرون من برنامج فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف والتي تذاع على التليفزيون المصري، والتي تناول خلالها قضية ضرب المرأة الناشز، حيث رأي البعض أن هناك تناقض بين تفسير شيخ الأزهر للأية وبين بيان مرصد الأزهر للفتاوى التكفيرية، والذي نشر في شهر ديسمبر الماضي، والذي أكد على ان المعني في قولة "واضربوهن" بمعني المفارقة وليس الضرب المعروف بخلاف تفسير شيخ الأزهر لهذه الأية.
حيث قال الإمام الطيب، إن الدواء الأخير الذي وصفه القرآن الكريم لعلاج نشوز الزوجة في قوله تعالى "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا"، هو الضرب الرمزي المقصود منه الإصلاح، وليس الإيلام أو الإيذاء والضرر، لافتًا إلى أن نصوص القرآن الكريم وأحكام الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، ولا يمكن أن يكون القرآن أمر بهذا النوع من الضرب؛ لأن القرآن حينما أمرنا بمثل هذا الضرب الرمزي أمرنا بهدف إصلاح وإنقاذ الأسرة.
وأوضح الإمام الأكبر خلال حديثه في الحلقة الخامسة والعشرين من برنامجه الرمضاني على التليفزيون المصري، أن هذا النوع من العلاج كَثُر حوله اللغط والتشكيك بالإسلام والقرآن، وَيُطَالب المسلمون بتغيير نصوصهم الإلهية ليسايروا حركات المرأة واتفاقيات الأمم المتحدة، مشيرًا إلى ما ذكره الأديب "عباس العقاد" في الرد على المعترضين على هذا النوع من العلاج بقوله "من حق المعترضين أن يعترضوا على القرآن الكريم؛ إذا أكدوا لنا أنه لا توجد في جماعة النساء إمراة واحدة يمكن أن يصلحها هذا النوع من التأديب ويصدها عن هدم الأسرة".
وأضاف شيخ الأزهر أن ضرب الزوج لزوجته له نظام وحدود، فمن شروطه ألا يكسر لها عظمًا، وألا يؤذي لها عضوًا، فإذا ضرب وتجاوز مسألة الأذى فهذا حرام، ويعاقب عليه، كما لايجوز له أن يضرب باليد، ولا يضرب على الوجه ولا يخدش شيئًا ولا يترك أثراً نفسياً على الزوجة، ومن هنا نرى ان المراد بالضرب هو الضرب الرمزي بالمسواك مثلا أو فرشة الأسنان في هذا الزمن.
واختتم فضيلة الإمام الأكبر حديثه بأن أمر الضرب ورد في كلمة واحدة في القرآن الكريم "واضربوهن" في مقابل منظومة ضخمة من النصوص القرآنية الصريحة التي تحافظ على المرأة وعلى كرامتها وتأمر الرجل أن يحسن معاملته وعشرته مثل قول الله تعالى "وعاشروهن بالمعروف" وقوله "فامسكوهن بمعروف" و "ولا تضاروهن" وقوله أيضًا "فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهو شيئا ويجعل الله فيه خيرًا"، لافتًا إلى أن كلمة الضرب إذا وضعت إلى جوار هذه المنظومه تبين أن هذه الكلمة ليست مقصودة لذاتها كعلاج إلا في أندر الحالات، وهي الحالات التي يكون فيها الزوج مضطرًا، إما أن يستخدم هذا النوع من العلاج، وإلا تذهب الأسرة بأكملها إلى مستقبل غير مرغوب.
أما بيان مرصد الأزهر لمكافحة التطرف حول ضرب المرأة وحرمته، والذي أصدره في اليوم العالمي لنبذ العنف ضدّ المرأة، قدم رؤية مغايرة لتفسير شيخ الأزهر ولمن كانوا يستدلون بقوله تعالى: ﴿وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً﴾ (النساء: 34)، مؤكداً أنّ الضرب المقصود في هذه الآية؛ هو المباعدة، والمفارقة، والانفصال، والتجاهل، وليس الضرب المتعارف عليه.
وجاء في بيان الأزهر، الذي نشره موقعه الرسمي، أنّ معاني ألفاظ القرآن تُستخلص من القرآن الكريم نفسه؛ فبتتبع معاني كلمة (ضرب) في المصحف، وفي صحيح لغة العرب؛ نرى أنّها تعني في غالبها المفارقة والمباعدة، والانفصال والتجاهل، خلافاً للمعنى المتداول الآن لكلمة ضرب.
من جانبه أوضح الدّكتور خالد سالم مشرف قسم البحوث بمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أنه لا يوجد تناقض بين تفسير فضيلة الإمام الأكبر وتفسير المرصد لقولة تعالى "واضربوهن"، مشيرًا إلى أن تفسير المرصد السابق كان يبين أحد وجوه ومعاني الضرب.
وأضاف مشرف قسم البحوث بمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية في تصريحات خاصة لـ أهل مصر، أن الضرب في اللغة تتعدد معانيه والضرب الذي قال عنه المرصد بمعنى المفارقة أحد المعاني للضرب مثلما ورد في قوله تعلى "فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيم.