السعودية والأمارات تتلقى انتكاسات من الاتحاد الأوروبي.. كيف شكلت الانتخابات الأوروبية أزمة في الشرق الأوسط؟

صورة أرشيفية
كتب : سها صلاح

في يومي 25 و26 مايو 2019، انتخب مواطنو دول الاتحاد الأوروبي الثمانية والعشرين برلمانهم الأوروبي الجديد، والتي من شأن هذه الانتخابات أن تحدد توجه الاتحاد الأوروبي للأعوام الخمسة المقبلة، ووفقاً لموقع "لوبي لوج" الأمريكي، فإن نتائج الانتخابات ستؤثر في طريقة تشكل العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي، التي تشمل العلاقات مع دول الشرق الأوسط.

فعلى الرغم من أن أداء أحزاب اليمين المتطرف كان قوياً في بعض الدول، وخاصةً المملكة المتحدة، والمجر، وبولندا، وإيطاليا، وفرنسا، إلا أن النتائج الإجمالية لم تأت كما تمنى اليمين المتطرف، ولم تمنحه تأثيراً حقيقياً في عملية صُنع القرار في البرلمان.

اقرأ أيضاً.. "خامنئي" في صلاة العيد: انتظروا مفاجأة بشأن "صفقة القرن"

لكن هناك أمر سلبي حدث للأحزاب القومية في هذه الانتخابات، حيث إن تناقضاتها الداخلية وأجنداتها القومية المتعارضة تعني أنَّها ستتوزع في 4 مجموعات سياسية في البرلمان الأوروبي، وهو وضع بعيد كل البعد عن المجموعة القومية الكُبرى التي طمح إليها يوماً زعيم اليمين البديل الأمريكي ستيف بانون.

والنتيجة كانت أن مال الناخبون إلى الأحزاب الكبرى المؤيدة للاتحاد الأوروبي، لكنهم أعادوا توازن القوة داخل هذا المعسكر المناصر للاتحاد، فقد خسرت الأغلبية قوتان كبيرتان هيمنتا على سياسة الاتحاد الأوروبي لعقود وتضمان داخلهما آراء سياسية مختلفة، وهما حزب الشعب الأوروبي (EPP)، الذي يمثل المحافظين من يمين الوسط؛ والديمقراطيون الاشتراكيون (S&D) من يسار الوسط- لأول مرة أغلبيتهما مجتمعة.

وفي الوقت نفسه، شهدت الانتخابات مكاسب كبيرة لليبراليين الوسطيين والخضر المعنيين بالبيئة. ولذا، تحول ميزان القوى بين المؤيدين للاتحاد الأوروبي إلى اليسار، على الأقل في ما يخص الحريات المدنية وسياسة المناخ، وربما في القضايا الاقتصادية.

وهذا يفتح الباب أمام احتمالاتٍ مثيرة بأن يحرم التقدميون المحافظين من هيمنتهم التي امتدت لسنواتٍ طويلة على مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

اقرأ أيضاً.. انقطاع خدمة الإنترنت في السودان لليوم الثاني على التوالي

ولم تكن نتائج الانتخابات بالأنباء السارة للتحالف اليميني الإسرائيلي، والسعودية، والإمارات، بحسب الموقع الأمريكي،فمع تبني إدارة ترامب للأجندة الإسرائيلية السعودية الإماراتية دون تحفظ في قضايا مثل إسرائيل وفلسطين وإيران وقطر والإخوان المسلمين، كانت هذه القوى الفاعلة تنظر إلى الاتحاد الأوروبي على أنَّه كيان غريب مزعج يرفض الانصياع.

والخلاصة هي أن نتائج الانتخابات تشير إلى أن السياسة الخارجية القادمة للاتحاد الأوروبي، ستستمر في:

انتهاج سبيل الحوار مع إيران

ستواصل معارضة التخلص المنهجي من حل الدولتين في القضية الفلسطينية.

ستستمر في معارضة عزل قطر.

وستواصل رفضها تصنيف جماعة الإخوان المسلمين جماعةً إرهابية.

ما الذي يعنيه هذا؟

هذا يعني أن الاستراتيجية السعودية الإماراتية المتمثلة في إقامة علاقات صداقة مع المتشككين في الاتحاد الأوروبي والقوى اليمينية المتطرفة جاءت بنتائج عكسية.

وفي الواقع، يشير سجل التصويت في البرلمان المنتهية ولايته إلى أن هذه القوى كانت من بين أخلص حلفاء البلدين، إذ كانت تعارض القرارات التي تدين انتهاكات حقوق الإنسان في كلا البلدين (بالإضافة إلى البحرين)، والمطالب بفرض حظرٍ على تصدير الأسلحة لكلٍّ من السعودية والإمارات لدورهما في حرب اليمن.

وكانت القضية المشتركة التي جمعت بين الرياض وأبوظبي وهذه المجموعات قائمة على الكراهية المشتركة للاتحاد الأوروبي، باعتباره كياناً جماعياً قائماً على القيم الليبرالية؛ والميل القوي للعلاقات الثنائية القائمة على المصالح والتي تربط بين الدول منفردةً؛ والعداء لكلٍ من حقوق الإنسان، وأي تمثيل للإسلام السياسي على وجه التحديد.

وزاد من تقويض موقفي السعودية والإمارات الأداء السيئ لحزب المحافظين البريطاني، الذي كان حليفهما الرئيسي التقليدي في البرلمان الأوروبي. إذ انخفض عدد المحافظين من 19 عضواً في البرلمان الأوروبي إلى 4 أعضاء.

وعليه، انخفض ترتيب مجموعتهم السياسية، أي المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين (ECR)، من ثالث أكبر مجموعة في البرلمان بعدد 75 عضواً إلى المركز الخامس بعدد 63 عضواً.

هل انتهت المعركة بالنسبة للسعوديين والإماراتيين؟

إذ إنَ حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيشكل أكبر وفد وطني داخل الكتلة الليبرالية، وبالنظر إلى التوافق الجيوسياسي الوثيق بين فرنسا والسعودية والإمارات في ليبيا، على سبيل المثال، قد يتبع أعضاء حزب ماكرون في البرلمان الأوروبي النهج الليبرالي الحساس التقليدي، أو يحاولون الدفع بكتلتهم في اتجاه سياسات باريس بصورةٍ أكبر.

وإذا حدث السيناريو الأخير، فإنَ الإمارات ستستفيد منه أكثر من السعودية، لأن صورتها أقل تشوهاً في أوروبا، وهناك أيضاً فهم فرنسي خاص للعلمانية يجعل من العداء الإماراتي للإسلام السياسي أمراً مقبولاً في الطيف السياسي الفرنسي.

اقرأ أيضاً.. رؤية موحدة للمسلمين.. السعودية تخصص برج الساعة في مكة مرصدًا إسلاميًا للأهلة

التحدي الحقيقي في السنوات الخمس المقبلة يتمثل في ترجمة مواقف البرلمان إلى تغيراتٍ مجدية في سياسة الاتحاد الأوروبي.

وعلى الرغم من فشل "المنادين بالسيادة" من اليمين المتطرف في محاولتهم إضفاء هوياتهم الوطنية على الاتحاد الأوروبي، فإنَّ السياسة الخارجية والأمنية لا تزال في معظمها حكراً على الدول القومية.

الذي يعطي الأمل في أن تغييراً ما سيطرأ على سياسة الاتحاد الأوروبي، هو أن الأوروبيين شاركوا في انتخابات البرلمان الأوروبي بأعدادٍ قياسية، بنسبة وصلت إلى أكثر من 50%، وصوتوا بأغلبية ساحقة لصالح الأحزاب المؤيدة للاتحاد الأوروبي، وهذا الأمر يعطي بعض الأمل في أنَّهم ربما يطالبون في المستقبل بسياسةٍ خارجية أكثر أوروبية.

ويبدو أن الصناعات العسكرية الوطنية هي ما تحرك بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي في سياسات الشرق الأوسط، ما يقوّض المصداقية الجماعية للاتحاد الأوروبي بصفته وسيطاً نزيهاً في النزاعات الإقليمية.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً