على مدى التاريخ يثبت المصريون صدقهم في محبتهم لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة السيدة فاطمة الزهراء والإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه وولداهما الإمام الحسن والإمام الحسين رضى الله عنهما، عشق المصريين لأولياء الله الصالحين ولمقاماتهم يمتد وينمو فى كل حين حتى مع انتشار ظاهرة التشدد الدينى والفتاوى التى تحرم زيارة أضرحة الأولياء، ومع كل عام تظهر على الساحة تلك الفتاوى التي تحرم الصلاة في المساجد التي بها أضرحة أو تحرم الزيارة، الأمر الذي أحدث حالة من الجدل العارم في المجتمع المصري.
قالت دار الإفتاء المصرية أن الصلاة في المساجد التي بها أضرحة الأولياء والصالحين مستحبة، والقول بتحريمها أو بطلانها قولٌ باطل لا يُلتَفَتُ إليه ولا يُعَوَّلُ عليه، ونالت هذه الفتوى سخط عدد كبير من المسلمين وشكك البعض في مصدقيتها، على الرغم من أنها لم تكون الفتوى الأولى التي تبيح الصلاة بالمساجد التي بها أضرحة.
كما استدل البعض بفتاوى الجماعات السلفية منها قول الشيخ أحمد النقيب، القيادي السلفي البارز، قال في فتواه: "لا يجتمع مسجد وقبر في الإسلام ولا تصح الصلاة في المساجد التي بها قبور، ولا يجوز القياس على مسجد النبي لأن قبر النبي لم يكن أصلاً من جملة المسجد، وإنما دخل المسجد في عصر الأمويين، والتوسعات الكثيرة لا زال القبر في طرف مسجد النبي، ثم إن الصلاة في مسجد النبي صلاة مخصوصة لا يقاس عليها مساجد غيرها.
بل تطور الأمر عند البعض إلى القول بتحريم الصلاة في المساجد التي بها أضرحة كقول الشيخ أبو إسحاق الحويني، أحد كبار مشايخ الجماعة السلفية والذي أفتى بأن: "الصلاة في المساجد التي بها قبور محرمة وليست باطلة، فلو أن رجلًا صلى في مسجد به قبر لا يبطل الصلاة لكن يحرم عليه الصلاة فيها لقول النبي "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ألا أني أنهاكم عن ذلك""، والإمام الشافعي يقول: "لا يجتمع مسجد وقبر في دين الإسلام"، فهناك عدم تجريد التوحيد في تلك المساجد".
من جانبه قال الشيخ عويضه عثمان أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن الصلاة في المساجد التي بها أضرحة الأولياء والصالحين صحيحة ومشروعة، بل ومستحبة أيضًا، وذلك ثابت بالكتاب والسُّنَّة وفعل الصحابة وإجماع الأمة الفعلي.
وأضاف عثمان في تصريحاته لـ أهل مصر أن ما يستدل به البعض من مشايخ السلفية من حديث: "لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصارى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيائِهم مَساجِدَ" فمعناه السجود لها على وجه تعظيمها وعبادتها كما يسجد المشركون للأصنام والأوثان، ويدل على هذا المعنى الرواية الصحيحة الأخرى للحديث عند ابن سعد في "الطبقات الكبرى" عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: "اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا، لَعَنَ اللهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"، فيكون المعنى: اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُسجَدُ له ويُعبَد كما سجد قومٌ لقبور أنبيائهم، وهو دعاء وخبرٌ وليس نهيًا.
وأشار أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إلي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر بطلان الصلاة في الحديث، فالنبي كان يتكلم عن حالة "قوم كان يسجدون لقبور أنبيائهم" فالنبي يخبرنا عن حالهم، لافتًا إلى أن النبي قال وجعلت ليا الأرض مسجدًا وطهورا.
ولفت عثمان أن الاستحباب الذي أشارت إليه الدار في فتواها يأتي نظرًا لبركة الصالح المدفون في المكان، وكان الصالحون يستحبون أن يدفنوا بجوار الصالحين، مشيرًا إلى أن الإمام الذهبي قال في ترجمة معروف "وقبر معروف ترياق مجرب"، أن الدعاء بجواره مستجاب.
وفي السياق ذاته وفي فتوى سابقة للشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله قال، أن الصلاة في المساجد التي بها أضرحة صحيحة وأن الذين يستشهدون بحديث اللعن "أغبياء في الاستشهاد" فقبر النبي في مسجده وقبور الأولياء كلها في المساجد، وهم لا يعرفون معني القبر في قوله: لعنة الله علي اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، فهم لا يعرفون تعريف القبر، فالقبر هو الذي به جثمان الشخص.