منازل الفقراء، تلك الأبنية القديمة، ذات الحوائط المشيدة بالطين، والأسقف المرفوعة بجذوع النخل والجريد، والخالية من أي أساس، والتي يقطن بها مئات الأسر الذين يتمسكون بإبقاء هذه المنازل على طابعها المعماري القديم، تنفيذًا لوصية الأباء والأجداد، في مشهد لا تجده سوى داخل قرى محافظة المنيا بصعيد مصر.
اقرأ أيضًا.. السوريون في المنيا: سعداء أننا جزء من المحافظة ومصر بلدنا الثانية
الفقر وحده، ليس سببًا في إصرار العديد من الأسر بمحافظة المنيا على العيش داخل هذه المنازل القديمة، ولكن "الحفاظ على الموروث القديم"، هي الجملة التي يجيب بها أهالي قرى المنيا، حين تسألهم عن سبب تمسكهم بهذه المنازل المتهالكة؟ وكيف يطيقون العيش بداخلها وهي خالية من أي مظهر من مظاهر الحداثة المعمارية؟ فهم يرون أنها منازل الأباء والأجداد التي تفوح بروائح الماضي العريق، وتبقى لهم ذكريات الراحلين من الأهل والأحبة.
وفي قرية العدوة، شمال محافظة المنيا، تمثل أسرة محمد إسماعيل، المكونة من 6 أبناء، توفي والدهم قبل 40 عامًا، نموذجًا لتمسك العديد من الأسر المنياوية بالحفاظ على الطابع المعماري القديم لتلك البيوت، ورفضهم إدخال أي نوع من الحداثة عليه، حفاظًا على وصية الآباء.
رفض هؤلاء الأبناء الستة، مغادرة المنزل الذي ولدوا بداخله، وحتى بعد زواجهم ما زالوا يعيشون داخل غرف مشيدة من الطين، ومسقوفة بالنخيل والجريد، ويتمسكون بالحفاظ على وصية والدهم الذي شدد عليهم بعدم هدم المنزل القديم، مع الحرص على تزويج أحفاده بداخله، وفقًا لقولهم.
تتميز المنازل القديمة بقرى المنيا، بأنها شيدت وسط أزقة ضيقة لا تتعدى مساحتها الأمتار القليلة، وهذا ما يجعل جميع سكانها أسرة واحدة حتى ولو لم تكن بينهم صلة قرابة، وهذا ما تؤكد عليه "سخية"، تلك السيدة التي تقطن برفقة أبنائها منزلًا قديمًا بإحدى قرى وسط محافظة المنيا.
اقرأ أيضًا.. "زوغوا بخطوط سير وهمية".. محافظ المنيا يحيل 6 أطباء وممرضات بأبوقرقاص للنيابة الإدارية
تصف "سخية"، التي توفي زوجها منذ سنوات بعيدة، الحياة داخل منزل مشيد من الطين بمثابة العيش في الجنة -وفقًا لتعبيرها-، وبالرغم من أن المنزل متصدع ويوشك على الانهيار، إلا أنها ترفض مغادرته أو حتى تجديده، معتبرةً أن الحفاظ على الطابع القديم للمنزل نوع من الوفاء لزوجها الراحل: "البيت القديم فيه نفس جوزي، وروحه بترفرف حوالينا"، هكذا تقول تلك السيدة المسنة.
اقرأ أيضًا.. "بمبة عبد النبى" مسجد عمره ١٧٧ عاما.. الآثار ترفض الاعتراف به والأوقاف تهمل تجديده
ربما يكون الوفاء لذكرى الراحلين، أحد الدوافع التي تجعل قاطني المنازل المشيدة بالطين في قرى المنيا يتمسكون بالعيش داخلها؛ إلا أن التقاليد والأعراف التي تربى عليها أبناء الصعيد هي السبب الرئيس، إذ أن الحرص على تنفيذ وصايا الأباء والأجداد يجعلهم يخاطرون بحياتهم للبقاء تحت أسقف منازل متصدعة، دون التفكير في حياتهم المهددة في كل لحظة.