آخر هدايا "ترامب" لـ"نتنياهو".. أمريكا تعتبر المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أرض فلسطين غير مخالفة للقانون الدولي.. بيبي: تصحيح لخطأ تاريخي.. وأشتية: ضربة لـ25 عامًا من الجهود الدولية للسلام

ترامب ونتنياهو

في تحول مثير في السياسة الخارجية الأمريكية، وفي انفصال دراماتيكي عن مواقفها الثابتة منذ عقود، أعلنت الولايات المتحدة، على لسان وزير خارجيتها، أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية لم تعد تعتبر غير قانونية، ما يعد انتهاكًا لقرار الأمم المتحدة لعام 2016 الذي يقضي بأن هذه المستوطنات "انتهاك صارخ" للقانون الدولي، في قرار أثار ردود فعل عربية ودولية منددة به ومعتبرة أنه يقوض جهود إحلال السلام في المنطقة، وفرص حل الدولتين، ولكنه لقى أيضاً ترحيبا ومباركة كبيرة من اليمين المتطرف الإسرائيلي وعلى رأسه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحلفائه اليمينيين، الذين رأوا أنه فرصة كبيرة لضم الضفة وترسيم حدود إسرائيل الشرقية، في تحرك يعد ضربة لأكثر من 25 عامًا من الجهود الدولية لتحقيق السلام.

وقال مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي: "إن القول أن إقامة مستوطنات مدنية تتعارض مع القانون الدولي لم يقدم قضية السلام، والحقيقة الصعبة هي أنه لن يكون هناك أي حل قضائي للنزاع، والحجج حول من هو على حق ومن هو على خطأ من حيث القانون الدولي لن تجلب السلام".

وأضاف أن شرعية المستوطنات يجب أن تبت فيها المحاكم الإسرائيلية، وادعى أن الإعلان الأمريكي لن يُخل بتسوية شاملة نهائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. حتى أن "بومبيو" رأى أن هذه الخطوة "ستوفر مساحة للإسرائيليين والفلسطينيين للالتقاء لإيجاد حل سياسي".

ولكن يبدو أن السفارة الأمريكية في القدس تستعد لرد فعل معاد من الفلسطينيين، حيث أصدرت تحذيراً من السفر إلى القدس والضفة الغربية وغزة.

وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات: "مرة أخرى، مع هذا الإعلان، تُظهر إدارة ترامب مدى تهديدها للنظام الدولي بمحاولاتها المستمرة لاستبدال القانون الدولي "بقانون الغاب".

من جانبه، رد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، بتغريدة قائلا إن القرار الأمريكي بشأن المستوطنات "انتهاك صارخ" للقانون الدولي من شأنه أن يكون له "عواقب وخيمة".

وفي الوقت نفسه، أشاد رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، بالإعلان على الفور، قائلاً إن الولايات المتحدة صوبت "خطأ تاريخي" وقبلت "الواقع على الأرض".

يمثل إعلان الولايات المتحدة رفضًا لقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2016 ومفاده أن المستوطنات في الضفة الغربية تشكل "انتهاكًا صارخًا" للقانون الدولي والموقف القانوني الأمريكي من القضية منذ عام 1978. وهو أيضًا تخلي عن اتفاقية جنيف الرابعة، الذي يحظر عمليات نقل السكان من قبل الاحتلال، وخلاف جديد مع حلفاء أمريكا في أوروبا والعالم الإسلامي.

وفي بيان صدر بعد أكثر من ساعة بقليل من تصريح "بومبيو"، قالت رئيسة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، فيديريكا موجيريني، إن سياسة الاتحاد الأوروبي بشأن المستوطنات الإسرائيلية "واضحة ولا تزال دون تغيير، وهي أن كل النشاط الاستيطاني غير قانوني بموجب القانون الدولي ويؤدي إلى نسف حل الدولتين وآفاق السلام الدائم".

ومع ذلك، فإن تصريح وزير الخارجية الأمريكي هو امتداد لسياسة ترامب السابقة، التي تميزت بسلسلة من التحركات المؤيدة لإسرائيل والتخلي عن دور واشنطن التاريخي كوسيط؛ فقد اعترفت الإدارة الأمريكية بالفعل بأن القدس هي العاصمة الإسرائيلية، وكذلك بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان المحتلة.

وكرر "بومبيو" اللغة التي استخدمها لتبرير الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، قائلاً إن هذا القرار يعكس "الواقع على الأرض"، وأنه نشأ عن الحقائق الفريدة، التاريخ والظروف "حول إقامة المستوطنات.

وجادل وزير الخارجية الأمريكي أيضا بأن الإعلان لم يكن سابقة في السياسة الأمريكية، مستشهدا بموقف مماثل للرئيس الأمريكي الأسبق، رونالد ريجان؛ حيث أسقط "ريجان" مصطلح "غير قانوني" لوصف المستوطنات، لكنه اعتبرها "عقبة أمام السلام" ودعا إلى تجميد بناء مستوطنات جديدة.

وتعد هذه الخطوة ميزة كبيرة لنتنياهو الذي يكافح من أجل بقائه السياسي وهو ينتظر لمعرفة ما إذا كان خصمه، بيني جانتس، يستطيع تشكيل حكومة ائتلافية أم لا. إن ظهور "بومبيو" النادر في غرفة الإحاطة بوزارة الخارجية الأمريكية، في وقت تعرض فيه لانتقادات لفشله في الدفاع عن الدبلوماسيين الأمريكيين المحاصرين في فضيحة أوكرانيا، قد يكون مصممًا أيضًا لتعزيز مكانته بين الجمهوريين في ولايته "كانساس" التي يبدو أنه يفكر في خوض انتخابات مجلس الشيوخ عنها.

وقال "بومبيو" إن توقيت الإعلان "ليس مرتبطًا بالسياسة الداخلية في أي مكان"، وأصر على أنه تم اتخاذه عند الانتهاء من المراجعة القانونية للموقف الأمريكي.

وفي كلمته التي رحب فيها بالإعلان، قال نتنياهو: "إن إسرائيل ممتنة للغاية للرئيس ترامب والوزير بومبيو وللإدارة الأمريكية بأكملها على موقفهم الثابت الداعم للحقيقة والعدالة، ويدعو جميع الدول المسؤولة التي تأمل في دفع عجلة السلام إلى تبني موقف مماثل".

كما دعم "جانتس" الإعلان الأمريكي؛ وقال "أحيي الحكومة الأمريكية على بيانها الهام الذي أثبت مرة أخرى موقفها الثابت مع إسرائيل والتزامها بأمن ومستقبل الشرق الأوسط بأسره".

وقال عضو في "مجلس يشا"، وهو المنظمة الرئيسية للمستوطنين الإسرائيليين، إن الإعلان الأمريكي يعني أن الوقت قد حان للحكومة الإسرائيلية للمطالبة فوراً بالسيادة على المستوطنات، وهي خطوة ينظر إليها إلى حد كبير على أنها نهاية لتطلعات الفلسطينيين في قيام دولة.

وقال أوديد ريفيفي، المبعوث الخارجي للمجلس: "أهنئ الرئيس ترامب وحكومته على الاعتراف الشجاع بأن المستوطنات ليست جريمة وليست عائقًا أمام السلام"، مضيفا "لقد حان الوقت لاتخاذ إجراء باستخدام برامجنا السياسية والقانونية لتطبيق القانون الإسرائيلي".

وذهب جلعاد أردان، وهو حليف رئيسي لنتنياهو ووزير الشؤون الاستراتيجية في إسرائيل، إلى أبعد من ذلك، وقال: "لقد حان الوقت للحكومة الإسرائيلية لاتخاذ الخطوة الإستراتيجية المتمثلة في تطبيق السيادة الإسرائيلية على جميع المجتمعات اليهودية في يهودا والسامرة"، مضيفا أن "تحول السياسة الأمريكية قد شجع إسرائيل بالفعل.

ووفقا لشبكة "سي إن إن"، فإنه عند إحصاء انتصارات "نتنياهو" السياسية في عهد ترامب، نجد أن لديه قائمة طويلة ليستعرضها للناخبين الإسرائيليين، وهي اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، ووضع الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، والقائمة تطول.

من جانبها، وصفت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، التحرك الأمريكي بـ"الاستيطاني"، مؤكدة أنه يقلل من فرص اتفاق السلام الإسرائيلي الفلسطيني، مشددة، في تقرير لها، على أن "التحول في السياسة الأمريكية بشأن المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة لا يغير شيئا من الناحية القانونية".

ويمكن لإدارة ترامب أن تعلن أن المستوطنات "لا تتعارض في حد ذاتها مع القانون الدولي"، كما فعل وزير الخارجية مايك بومبيو، لكن الأمريكيين لا يصنعون القانون الدولي؛ حيث أن ذلك يعود إلى هيئات مثل الأمم المتحدة ومعاهدات مثل اتفاقية جنيف الرابعة، التي تمنع قوات الاحتلال من نقل سكانها المدنيين إلى الأراضي المحتلة.

ومع ذلك، فإن قرار الولايات المتحدة يحدث فرقًا من وجهة نظر سياسية، مما يعطي دفعة لموقف إسرائيل من أن الضفة الغربية "متنازع عليها" وليست "محتلة". وهذا يقلل من فرص التوصل إلى اتفاق تفاوضي بين إسرائيل والفلسطينيين. وذلك حسبما ذكرت "بي بي سي".

المستوطنات هي مجتمعات يهودية بنيت على أراض احتلتها إسرائيل خلال حرب 1967. وتهدف المفاوضات في إطار اتفاقيات أوسلو للسلام لعام 1993 إلى إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة. لكن "أوسلو" لم تحظر بناء المستوطنات، وكل الحكومات الإسرائيلية منذ عام 1993 واصلت القيام بذلك.

عارضت الإدارات الأمريكية السابقة بناء المستوطنات من منطلق أنها عقبة أمام السلام، وحاولت الحد منها بدرجات متفاوتة. لكن التخطيط والبناء قد تسارعا تحت إدارة ترامب، وفقا لمجموعة مراقبة السلام الإسرائيلية المعادية للمستوطنات.

وحظي هذا التغير في السياسة الأمريكية بدعم كبير من المبعوث الأمريكي إلى إسرائيل، ديفيد فريدمان، الذي جمع الأموال للمستوطنات قبل أن يصبح سفيراً.

إن الاحتمال الآن هو أن هذا التغيير يمكن أن يخطو خطوات باتجاه ضم الأراضي الفلسطينية. وهذا هو مطلب اليمين الإسرائيلي، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء نتنياهو، والذي يعتبر الضفة الغربية جزءًا من وطن يهودي تاريخي.

وكان نتنياهو قدم وعوداً انتخابية بضم أجزاء من الضفة الغربية، ووصف خطة السلام التي صاغتها إدارة ترامب، والمعروفة بصفقة القرن، كخريطة طريق لتمديد "السيادة اليهودية".

وركز المجتمع الدولي لأكثر من عقدين على العمل من أجل حل الدولتين؛ وحذر الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة من أن المستوطنات اليهودية تقوض هذا الاحتمال. 

بدورهم، أشاد المشرعون الجمهوريون بهذا التحول السياسي، لكن بعض الديمقراطيين نددوا به بشدة، بما في ذلك المرشحون للرئاسة.

ضوء أخضر للتوسع في الضم

على غرار "سي إن إن"، أكدت صحيفة "الجارديان" البريطانية، في افتتاحيتها اليوم، أنه رغم التحول الأمريكي بشأن المستوطنات الإسرائيلية، فإنها "لا تزال غير قانونية"، ولا يمكن لإعلان إدارة ترامب أن يغير القانون الدولي. ولكن سوف ينظر إليه على أنه ضوء أخضر للتوسع والضم.

وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن هذا الإجراء هو أحدث الجهود التي تبذلها الإدارة الأمريكية لتدمير النظام الدولي القائم على القواعد. وإن هذا إعلان رمزي أكثر منه عملي. والمستوطنات لا تزال غير قانونية؛ فترامب لا يغير القانون الدولي.

ردود فعل العرب والغربوأثار هذا التحول في السياسة الأمريكية صدمة وردود فعل غاضبة من جانب الزعماء العرب؛ وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية: "إن تحيز إدارة ترامب تجاه الأحزاب الأكثر تطرفاً في إسرائيل يعميها عن رؤية المبادئ الأساسية للقانون الدولي"، مضيفا "نطالب المجتمع الدولي بمعالجة هذا التصريح الخطير، الذي يمثل ضربة لأكثر من 25 عامًا من الجهود الدولية لتحقيق السلام".

اقرأ أيضاً: ألمانيا تعلق على تصريحات "بومبيو" بشأن مستوطنات الضفة والقدس الشرقية

وقال نبيل أبو ردينة، المتحدث باسم الرئيس الفلسطيني، محمود عباس: "نحن نحمل الإدارة الأمريكية المسؤولية الكاملة عن أي تداعيات لهذه الخطوة الخطيرة"، في حين حذر أيمن الصفدي، وزير الخارجية الأردني، "من العواقب الوخيمة" لهذا القرار فيما يتعلق بعملية السلام.

اقرأ أيضاً: الأزهر الشريف: الموقف الأمريكي بشأن المستوطنات الصهونية اعتداء على حقوق الفلسطينين

طوال الأربعين سنة الماضية عارضت الولايات المتحدة بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بدرجات متفاوتة بعد الرأي القانوني الصادر عن وزارة الخارجية عام 1978 والذي يقول إن المستوطنات "لا تتفق مع القانون الدولي". ولطالما اعتبر المجتمع الدولي، كذلك، المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية بموجب اتفاقية جنيف، وأدان البيان الأمريكي.

اقرأ أيضاً: نتنياهو: القرار الأمريكي فرصة لضم غور الأردن وتحديد الحدود الشرقية لإسرائيل

وأكدت المملكة المتحدة أيضا على أن موقفها من المستوطنات لم يتغير؛ وقالت الحكومة البريطانية: "إنه غير قانوني بموجب القانون الدولي، ويمثل عقبة أمام السلام، ويهدد مبدأ حل الدولتين".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
وزير المالية: نستهدف خفض المديونية الحكومية داخليا وخارجيا